العاطفة الوجدانية عنه، ولصوق الجفاف الذهني عنه، وكانت حاجتنا الشعبية تحتاج إلى غربلته من الحصى، وتصفيته من الرواسب، وتنقيته من الخلاف، وتشذيبه من التطرف؛ بل تحتاج إلى أن تكتب موضوعات العقيدة من جديد، بروح الإسلام الخالد، الموازنة بين العقل والوجدان، والمنطق والعاطفة منذ أن عرفنا الفجر الأول للأمل، ومنذ أن عشنا في فجرة الصادق. ولقد خرجت إلى هذا الحقل العقيدي رسائل عدة؛ ولكنها لم تكن لتحمل روح الأيمان المنساب، وطبيعة العقيدة؛ أما هذا الكتاب. . . فقد حمل كل ذلك، وغربل، وصفى، ونقى، وشذب، حتى أحسست وأنا أقراه. . أنني أعيش في المشهد الأول للوجود، وأتصل بالله وبالكون وبالحياة، اتصالا أليفا لا تنفصم عراة، ولسوف أعود لقراءة ذلك الكتاب كلما دبت في أعصابي معركة، أو تسرب إلى نفسي قلق، والى روحي اضطراب.
وأعتقد من العبث في التفكير في تركيز الكتاب أو فكرته، ما دامت موضوعاته الشهيرة لا تتجاوز نطاق الإلهيات والنبوات والسمعيات، وما دام المؤلف الداعية لا تسمح لأحد أن يجمع خيوط كتاب له من يديه ليعرف هيكله العام. ولسنا نقصد أن المؤلف لم يتبع نهجا معينا في نسج كتابه؛ فقد خرج لنا المؤلف في موضوعات العقيدة ما تزال هي هي لا تزيد، اللهم إلا في فصول يستدعيها العصر الحاضر (كعقيدة الألوهية عند الفلاسفة والعلماء) و (بين النبوة والعبقرية) والشيء المتبقي إذن هو في معرفة المنارات الرئيسة، التي وضعها المؤلف نصب عينيه، حين طبخه لذلك الكتاب، ومن مقدمه الكتاب، نقتطف بضع نقاط ترشدنا إلى مناراته العامة:(هدف بحوث في العقيدة دفعتني إلى كتابته قلة الرسائل التي تعني بهذا اللون من علوم الدين، وتعرضه في أسلوب يتفق مع حاجة المسلمين المعاصرين)
(وقد رأيت أن أسواق الأصول العلمية لعقيدة المسلمة في نسق يخالف ما ألف الناس قراءته عن هذه الأصول في مظانها من ثقافتنا الدينية، لا لأني سآتي بجديد في هذا الميدان: بل نزولا على منطق التجارب، وانتفاعا بما اكتنف جوانب التاريخ الإسلامي من أحداث، وتوخياً للسير جهدي أن أتجنب أشواك الخلاف، فإذا استطعت طيه في السياق المطرد طويته وتجاهلته، وإذا اضطررت إلى خوضه عالجته على كره، وذكرت ما استبان لي أنه صواب. وقد أستجهل الطرف المقابل - ولا أكفره - لأن الجهل الفاضح كما ظهر لي،