للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البشير والتي تكاد تطغى على شعره؛ هي هذه الموسيقى اللفظية الحلوة التي يزاوج بها معانيه وأخيلته

أما الشاعر الثالث فهو من الذين يتصفون بالرقة والنزوع إلى التجديد برغم كونه غير معروف للقراء، لأنه لا يميل لإذاعة شعره على الناس ولا نشره في الصحف. وكان هذا الصديق قد أرسل إلى مجموعة من شعره لأرى رأيي فيها فطالعتها بإمعان فوجدت فيها روحاً سامياً وشاعرية فذة لو تعهدها صاحبها بالصقل والمران لخلقت منه وتراً جديداً من أوتار الشعر في السودان؛ وهذا الشاعر هو الأستاذ جعفر عثمان موسى، وهذه أنغامه، قال من قصيدة له بعنوان (حياة خاوية) وسيرى القراء فيها مدى الحيرة التي تلازم الشاعر والألم الذي يعصف بحياته؛ قال

أطل على عالم بارد ... كأني أطل بوادي العدم

ظلام ويأس وصمت كئيب ... وكأس بها من عصير الألم

وفي كل ركن هموم ثقال ... وثغر بعض بنان الندم

وقلب تحطمه لوعة ... وخد خصيب بدمع ودم

فلا القلب نشوان من فرحة ... ولا الروح سابحة في القمم

وفي النفس طاف الأسى والبكا ... وسار المشيب ودب الهرم

فنفسي مبعثرة حيرة ... وغارقة في بحار السأم

ظلام بعيني ونفسي مشى ... وهم ثقيل بصدري جثم

ولي مظهر كلما داعيته ... يدي بث حولي فحيح السقم

كأني بصومعتي راهب ... أكب على ربه يستلم

ونام وأصبح صبح وقد ... تهدم معبده والصنم

حنانك ربي سئمت الحياة ... وضقت بنقلي علها القدم

وهاك نغمة أخرى، نغمة جديدة ثائرة متمردة على كل شيء حتى على الشاعر نفسه، ولنتركه يصف الحياة التي يتطلبها في قصيدته (القمم)

هناك في القمة العالية ... فضاء وحرية النجاح

ترامى الضياء على الرابيه ... وتزأر كالوحش هوج الرياح

<<  <  ج:
ص:  >  >>