السر الخفي في قدرتها على هذا التطور العجيب، ولا يمكنني في الوقت الحضر أن أقول: إلا أنها من أسرار خالق الحياة التي لم يكشف عنها بعد الأحياء)
ولا يفوته حين يقول ذلك للغربيين، أن يأخذ علينا نحن الشرقيين (إيماننا الأعمى بكل ما يأتي به الغرب على أنه صواب لا خطأ فيه، ولماذا لا نعيد النظر في هذه الآراء والنظريات فنأخذ منها الصواب ونتجنب الخطأ، ولنا عقيدتنا الخاصة التي نعترف بالعلم كما نعترف بالدين، ونضع الإنسان في وضعه السوي)
وإنك لتحس الثورة العاتية في نفسه، على هذا العالم المادي الثقيل المتخلي عن إنسانيته حينما يختتم هذا الفصل بقوله:(ألا إنها المغلطة الكبرى لكل حقائق الحياة، والنفس البشرية هي التي أدت العالم، إلى الحيوانية المتجردة، التي أر تكس فيها بغير عذر الحيوان، وبغير حصافة الحياة التي رسمت للحيوان حدوداً معينة، تقف عندها غرائزه. . أما الإنسان الذي كرمه خالقه ورفعه، وجعل في يده أمر نفسه، فإنه ينتكس اليوم إلى حمأة يتعفف عنها بعض أنواع الحيوان.
ثم استمع إليه، واسخر معه كما سخر من التجريبيين، أولئك الذين يخضعون كل شيء للمعمل والتجريب، والتجريب العلمي (يؤمن الغربيون بكل ما يحمل خاتم التجريب، ويأخذونه قضية مسلمة، لا تحتمل الشك والتأويل، أما ما لا يخضع للمعمل فهو خرافة، أو على الأقل شيء ساقط من الحساب، ولما كان الله - مثلاً - لا يدخل المعمل، ولا يخضع للتجريب، فقد استغنوا عن خدماته، وأعلنوا أنه غير موجود)!
على أنه مع ذلك لا ينكر خدمات العلم التجريبي، التي أداها للبشرية، ولمنه ينكر، وينكر القارئ معه، إخضاع كل شيء للمعمل والتجريب، فهناك الجوانب الروحية التي لا يمكن أن تنكر لأننا نجهل جانباً منها
(قد يستطيع الباحثون ذات يوم أن يصلوا إلى نتيجة نهائية قاطعة، في المظاهر المادية لهذا الكون، أما النفس الإنسانية فهي عالم واسع غير محدود، ومازالت البشرية منذ مولدها إلى هذه اللحظة. تتحدث عنها، وتحاول الوصول إلى كنهها في آدابها، وفنونها، وفلسفتها، وأديانها، واجتماعياتها، فلا ينتهي الحديث، ولا ينقطع عنه نقطة معينة، وإنما يتقبل البحث كل مما قيل، وكل ما سيقال، ويبقى بعد ذلك الباب مفتوحاً للمزيد)