للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجابها وهو يسير نحو الحقل: كلا وأظنها أحسن حالاً

وضاقت الأم (رابت) ذرعاََ، فتوجهت توا إلى حجرة المرأة المحتضرة فوجدتها كما كانت بالأمس تماماً. . هادئة ساكنة مفتوحة العينين، ويداها ممدودتان فوق غطاء الفراش الملون. . يبدو عليها الضعف والهزال؛ ورأت الأم رابت أن المرأة يمكن أن تظل هكذا يومين أو أربعة. . بل عاشت أسبوعاً آخر. . فأحست بانقباض يسود نفسها. . وبحقد هائل نحو ذلك الذي خدعها بأمه التي لا تريد أن تموت. وظلت عيناها محدقتين بمدام بونتمبس طيلة هذا الصباح حتى ى عاد أونوريه للغداء. ثم رجع إلى حقله لإكمال حصاد حنطته.

وكادت الأم رابت تفقد شعورها. فقد خيل إليها أن كل دقيقة تمر إنما هي زمن مسروق منها ومن حقها أن تتقاضى عليه أجراً.

وأحست برغبة قوية. رغبة مجنونة في أن تضغط على ذلك العنق الهزيل فتخمد أنفاس المرأة التي كانت تسلبها وقتها المقدس ولكنها حينئذ استطاعت أن تتصور بشاعة جريمتها.

وراودتها فكرة أخرى. واقتربت من المرأة المحتضرة، وهمست تسألها: ألم ترى الشيطان بعد؟

فأجابتها مدام بونتمبس هامسة: كلا.

وابتدأت الممرضة تلقى على مسامعها بعض القصص الخرافية المخيفة. فقالت إن: الشيطان يظهر عادة لهؤلاء الذين على وشك الموت قبل موتهم بدقائق معدودات، ثم راحت تصف لها شكل الشيطان، فادعت أنه يحمل في يده محصداً كبير وعلى رأسه قدر مملوءة بسائل يغلي مسمر به ثلاثة قرون. واستمرت في حديثها الرهيب، فعددت لها أسماء من زعمت أن الشيطان قد ظهر لهم قبل موتهم. وفعل ذلك الحديث فعل السحر في مدام بونتمبس؛ فبدت مضطرة حائرة، لا يستقر رأسها على الوسادة في مكان واحد.

واختفت الأم رابت حينئذ وراء الستار بجانب الفراش. وتناولت من صندوق بالقرب منها ملاءة بيضاء ألقتها فوق رأسها فحجبتها من قمة رأسها إلى أخمص القدم. ثم وضعت على رأسها قدراً بدت أرجلها الحديدية كثلاثة قرون مدببة. ثم أمسكت بيدها مكنسة مستطيلة. وما كادت تنتهي من كل ذلك حتى صعدت فوق مقعد مرتفع.

وفجأة رفعت الستار وبدت بهيئتها أمام المريضة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>