ولقد ماتت للأمين بنت اسمها (أم موسى) كان شديد الكلف والحب لها فجزع عليها جزعاً شديداً فسمعت بذلك زبيدة فقدمت إليه وعزته ببلاغتها
نفسي فداؤك لا يذهب بك اللهف ... ففي بقائك ممن قد مضى خلف
عوضت موسى فهانت كل مرزئة ... ما بعد موسى على مفقودة أسف
وكان لها قصور عديدة جميلة تتناسب مع مكانة الملكة الشابة، منها قصر السلام وقصر القرار وغيرها في ضيعاتها وأملاكها الواسعة. وكانت على جانب كبير من الكرم والسخاء فيقول المسعودي (كتبت مرة تسأل أبا يوسف (رئيس القضاة في بغداد) تستفتيه في مسألة فأفتاها بما أوجبت الشريعة وكان يوافق مرادها فأكرمته بحق من فضة فيه ألوان من الطيب (الروائح) وجام ذهب فيه دراهم وجام فضة فيه دنانير وغلمان وتخت فيه ثياب وحمار وبغل. . . الخ).
وذكر بعض المؤرخين أن لزبيدة يدا كبرى في نكبة البرامكة، فقد كانت تخشى من جعفر البرمكي على ابنها الأمين وكان يقوم بأمر المأمون في ولاية العهد. ولكن في وصيتها التاريخية لقائد جيش الأمين علي بن عيسى حين خرج بجيشه يريد محاربة المأمون وأسره، ففي تلك الوصية الخالدة تظهر النفس الكبيرة التي تتنزه عن الدنايا والقسوة الأحقاد وقد قالت له (يا علي إن أمير المؤمنين وإن كان ولدي فإنني على عبد الله (المأمون) مستعطفة مشفقة لما يحده عليه من مكروه وأذى وإنما ولدي ملك نافس أخاه في السلطان، فاعرف لعبد الله حق ولادته وأخوته، ولا تساوه في المسير ولا تركب قبله إذا ركب وإذا شتمك فاحتمل).
وكانت على جانب كبير من الآداب والأخلاق كما كانت أديبة بارعة وشاعرة حساسة، وإليك أبياتا رقيقة باكية ترثي بها ولدها الأمين حين سمعت بقتله:
أودى بألفين من لم يترك الناسا ... فامنح فؤادك عن مقتلك الباسا
لما رأيت المنايا قد قصدن له ... أصبن منه سواد القلب والراسا
فبت متكئاً أرعى النجوم له ... أخال سنته في الليل قرطاسا
والموت كان به، والهم قارنه ... حتى سقاه التي أودى بها الكاسا
رزئته حين باهيت الرجال به ... وقد بنيت به للدهر أساسا