الأول: يبحث في تأثر بيئته المضطربة ومنبته الوضيع على حياته.
الثاني: يتحدث عن حبه الفاشل وإلى أي حد كان سبباً في تحوله إلى ما عرف باسم الزهد.
الثالث: علاقته بالرشيد والفضل وزبيدة، واندماجه في السياسة.
الرابع: دراسة إنتاجه الشعري بعد سنة ثمانين ومائة، ومعرفة مدى تصويره لأفكاره.
الخامس: يبحث في عقيدة الشاعر.
السادس: فيه نقد أدبي لشعره.
طفولته وبيئته:
ولد أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم في الكوفة سنة ثمانين ومائة للهجرة، وكان أبوه القاسم يشتغل حجاما بها. أما هو فكان يبيع الجرار، ولكنه ما لبث أن اعتزل تلك المهنة واشتغل بقرض الشعر قاصدا التكسب به. وحين سطع نجمه وضاقت به الكوفة ذهب إلى بغداد وجاهد حتى وصل ذكره إلى سمع الخليفة المهدي الذي أذن له في إنشاد الشعر بين يديه وأجزل له العطاء. ولكن خلافا شديدا نشب بين الخليفة والشاعر بسبب حب الأخير لإحدى جواري الأول وذكره لها في شعره، مما جعل الخليفة يغضب عليه ويضطهده. وحين مات المهدي اتصل الشاعر بابنه الهادي ثم الرشيد، وبعد عشر سنوات قضاها في خدمة هارون كان أثناءها محل عطفه ورعايته، ترك الشعر الغنائي الذي كان يؤلفه للخليفة وهجر مجلسه، ولبس مسوح الزهاد، وأخذ يتحدث عن الموت والقبر ويضع من قدر الدنيا وأهلها، ويدعو الناس إلى الزهد فيها، والبعد عن ملاذها وملاهيها، وينصحهم بالعمل للآخرة ونعيمها. تلك فكرة يسيرة عن أبي العتاهية كما يصوره التاريخ ويتصوره الناس أحببنا أن نقدمها بين يدي بحثنا.
والآن نعود إلى إبداء رأينا في الشاعر. ولا بد لمن يريد أن يدرس حياة الشاعر ويفهم شعره حق الفهم، لا بد له من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك الانقلاب الخطير الذي طرأ على حياته سنة ثمانين ومائة للهجرة، والذي أشرنا إليه من قبل، وبدون الوقوف على ذلك الانقلاب وأسبابه لا يمكن لنا أن نفهم كل ما جاء بعده من أشعار مع أن معظم إنتاج الشاعر وكل ما يعرف باسم الزهديات، قد نظمه الشاعر بعد ذلك التاريخ؛ ولكننا لن نستطيع معرفة أسباب ذلك الانقلاب وأسراره حتى نعرف الكثير عن بيئة الشاعر وأسرته