القطر يملأ نفسه بالرضا، ويزيد عزيمته مضاء. . كان كل منهم، يحمل له أنباء جديدة، سارة، عن اتساع نطاق الدعوة وانضواء الشباب. .
وكان يوم الثلاثاء. . يوما مشهوداً يتجمع فيه بضع مئات من أنحاء القاهرة، ليستمعوا إلى هذا الرجل الذي يصعد المنصة في جلبابه الأبيض وعباءته البيضاء وعمامته الجميلة فيجيل النظر في الحاضرين لحظة. . بينما تنطلق الحناجر بالهتاف. .
. . ولا تدهشك خطابته بقدر ما يدهشك إجابته على القصاصات. . كان بعض هذه يتصل بشخصيته وحياته وأسرته.
وقد سئل مرة بعد أن ترك عمله في الحكومة ورفض مرتب الجريدة الضخم الذي كان يبلغ مائة جنيه: مم يأكل. . فقال في بساطة: كان محمد يأكل من مال خديجة وأنا آكل من مال (أخ) خديجة، يقصد صهره. .
وكان أعجب ما في الرجل صبره على الرحلات في الصعيد. . هذه الرحلات التي لا تبدأ إلا في فصل الصيف حيث تكون بلاد الوجه القبلي في حالة غليان. . وفي أحشائها يتنقل الرجل بالقطار والسيارة والدابة وفي القوارب وعلى الأقدام.
وهناك تراه، غاية في القوة واعتدال المزاج. . لا الشمس اللافحة، ولا متاعب الرحلة. . تؤثر فيه ولا هو يضيق بها. . تراه منطلقا كالسهم، منصوب القامة، يتحدث إلى من حوله، ويستمع، ويفصل في الأمور.
وقد أمدته هذه الرحلات، في خمسة عشر عاما، زار خلالها أكثر من ألفي قرية وزار كل قرية بضعة مرات، بفيض غزير من العلم والفهم للتاريخ القريب والبعيد، وللأسر والعائلات والبيوتات وأحداثها وأمجادها وما ارتفع منها وما انخفض. . . وألوانها السياسية وأثرها في قراها وبلادها ورضى الناس عنها أو بغضهم لها. . وما بين البلاد أفراداً وأحزابا وهيئات وطوائف من خلافات أو حزازات. . .
كان يزور أحيانا بلداً من البلاد بلغت فيها الخصومة بين عائلتين مبلغها، وكل عائلة تود أن تستأثر به لتنتصر على الأخرى، فيقصد إلى المسجد مباشرة، أو يغير طريق سفره فلا يستقبله أحد إلا بعد أن يكون قد قصد إلى دار عامل فقير في البلدة.
. . . وكنت إذا قلت له فلان. . الحسيني مثلا أو الحديدي أو الحمصاني قال لك. . إن هذا