أسفا - لم نجد (عالماً) من علمائنا (وهم ألوف) قد نهض لإتمام هذا التفسير، وكأن الأزهر (المعمور) قد عقمت أمه فلم تلد بعد الأستاذ الإمام محمد عبده أحداً. رحمه الله ورحم تلميذه النجيب السيد رشيد رضا.
ولقد كنا قرأنا منذ أكثر من ربع قرن في المقدمة التي أنشأها الدكتور طه حسين باشا لكتاب فجر الإسلام، أنه فرغ من وضع الجزء الأول من تاريخ الأدب العربي ففرحنا وانتظرنا أن تشرف علينا غرة هذا الجزء وما يليه، ولكن انتظارنا ذهب عبثاً.
ولقد كان للرافعي أسلوب في البلاغة خاص به بائن بنفسه لا يشاركه فيه أحد من الكتاب، يعرفه كل من وقف على أساليب الكتابة العربية حتى لو أخفاه عن الناس.
كنت مرة مع الأديب الكبير عبد الرحمن البرقوقي نجلس على أحد الأندية بالقاهرة في سنة ١٩٢١ ومر بنا بائع الصحف فتناول منه رحمه الله (جريدة الأخبار) وأخذ يقرؤها وإذا به يجد في صدرها كلمة أخذت نصف عمود عنوانها: (عجيبة لغوية - جنود سعد) ما كاد يقرؤها حتى دفع لي الصحيفة وقال: ترى لمن هذه الكلمة. ودفع لي الجريدة فقرأتها وقلت له: إن الظن الغالب أنها للرافعي ولم يكن قد وضع اسمه عليها. فقال هي له من غير شك ولا يستطيع غيره أن ينشئها.
وكان رحمه الله يعنى بتجويد عباراته ويبالغ في صقلها حتى تخرج في أروع صورة من البيان العربي، وكان لا يترخص في ذلك ولا يتسهل.
قلت له مرة بعد أن ظهر كتاب (حديث القمر) إن طائفة كبيرة من القراء لا تبلغ إفهامهم بعض عبارات هذا الكتاب، والرأي أن تنشئ كلاما لا يعلو على إفهام القراء! فغضب وقال: أتريدني على أن أنزل بأسلوبي إلى إفهام عامة القراء؟ إني أريد أن يرتفعوا هم إلى لا أن أهبط أنا إليهم، ولأن يكون لي ألفان من القراء الذين يفهمون أساليب العربية العالية خيرا لي من أن يكون لي عشرات الألوف من عوام القراء.
وجرى بيني وبينه مرة حديث عن أسلوب المغفور له الدكتور زكي مبارك فكان من قوله: إنك مهما قرأت له فإنك لا تكاد تجد من إنشائه عبارة بليغة يشرق منها نور البيان، وهو لا يعتبر شاعرا ولا ناثرا! فقلت له: وماذا يكون إذن بين كتاب البيان فقال (سمه نثرورا!) وهذه اللفظة التي استمرئها قد قاسها على لفظة شعرور. وقد كان مجتهدا في اللغة وله رأي