ومناظر المسارح والملاهي والمراقص، ومقابلات السينما والشاطئ (البلاج)، والمراسلات الغرامية السخيفة، هي كل ما في الحياة الاجتماعية المصرية؟ ولقد كان لنا ثمة مادة بديعة للقصص في تاريخنا القومي، فهو حافل بصنوف المآسي الملوكية والشعبية، والحوادث والمواقف الشائقة، فهل فطن أحد من كتاب القصص إلى هذا الكنز الزاخر والمورد الخصب؟
ولقد قلنا انهم يزعمون أن الرجوع إلى الماضي ينافي دعوة (التجديد) التي يضجون بها، ولا يستطيعون فهمها أو تحديد معانيها، فهم لذلك لا يعنون بالتنقيب في تراثنا الغابر؛ ولكن الواقع انهم لا يفعلون ذلك تعففاً أو قصداً وإنما هو القصور وانقطاع الصلة الروحية لديهم بين مراحل الأدب الذين يزعمون أنهم طلائعه. والبحث يجشمهم جهوداً لا يستطيعون الاضطلاع بها. على أن القصص الرفيع في الآداب الغربية يفسح أكبر مجال لمآسي التاريخ وحوادثه. ويكفي أن نذكر بعض الأسماء لتأييد هذه الحقيقة، فقد كان التاريخ وحده تقريباً مادة شيللر في جميع قصصه المسرحية؛ وكان أروع ما أخرجه سنكيفتش قصته التاريخية الرومانية (كوفاديس) التي تعتبر من أعظم ما أخرج القصص الغربي؛ وكتب لورد ليتون (أيام بامبياي الأخيرة)، وكتبت جورج اليوت (رومولا) وعرض إسكندر ديما مراحل التاريخ الفرنسي في سلسلة من القصص التاريخية البديعة. بل لقد ألفى بعض أكابر كتاب الغرب في تاريخنا، وفي التاريخ الإسلامي مادة نفيسة؛ فكتب تشارلس كنجسلي (هيباسيا) عن العصر اليوناني الروماني في مصر، وكتب اسكوت (ايفانهو) عن بعض حوادث الحروب الصليبية، وصاغ فون هامار ولاهارب مصرع البرامكة في قالب قصصي بديع، وكتب شاتوبريان (آخر بني سراج) إلى غير ذلك مما يضيق المقام بذكره
والخلاصة أننا كلما تأملنا هذه الدعوة الصاخبة إلى كتابه القصص واعتباره كل ما في الأدب من قيم ونفيس، وتأملنا ما انتهت إليه من النتائج العملية، ألفينا فراغاً في كل ناحية، وألفينا فشلاً مطبقاً. والفشل دائماً حليف كل نزعة أو حركة لا تقوم على قواعد صحيحة، ولا تتوسل إلى غاياتها بالوسائل الطبيعية؛ وقد فشلت هذه الحركة المغرقة، لأنها قصدت أن تبتدئ حيث يجب الانتهاء، ولم تسر في مراحل التدرج؛ جنباً إلى جنب مع باقي نواحي الحركة الأدبية؛ ولم تقم بالأخص على الدرس والبحث، وإنما قامت على عوامل وبواعث