فتخالف الأهواء فيما بيننا ... والموت عند تخالف الأهواء
فإذا أضفنا إلى ذلك ما بدأت به من إعطائه قدراً عظيماً من المال مظهرة عنايتها به وما انتهت إليه من رفضها الزواج منه رفضاً باتاً رغم توسط الرشيد. . ازددنا يقيناً بصحة ما ذهبنا إليه من أنها لم تكن جادة ولا مخلصة في حبها له.
وقد كان من نتائج ذلك السلوك المضطرب أن ساءت العلاقة بين الشاعر والمهدي؛ فقد كان من الضروري لعتبة أن تقدم لأبي العتاهية سبباً معقولاً لترددها في أمر الزواج وأدبارها عنه كلما أقبل عليها. ولم يكن من العسير عليها أن تدعي أنها إنما تفعل ما تفعل خوفاً من إثارة غضب الخليفة وزوجه اللذين كانا يحرصان على بقائها في خدمتهما وانقطاعها إليهما. وازداد الطين بلة حينما أبرق الخليفة وأرعد على أثر سماعه شعراً لأبي العتاهية يعرض فيه بعتبة ويقحم الخليفة في أمره:
ألا إن ظبياً للخليفة صادني ... ومالي على ظبي الخليفة من عدوي
وما كان من الخليفة إلا أن جلده وسجنه ثم نفاه إلى الكوفة؛ بل كاد يقتله بتهمة الزندقة لولا أن تدخل يزيد بن منصور خال المهدي لمودة كانت بينه وبين الشاعر.
كان من الطبيعي أن ينقم الشاعر على المهدي الذي أيقظه من حلمه الجميل على صوت السياط وهي تلهب ظهره وتفري جلده. وهنا أخذت تجارب الشاعر في طفولته وبغضه للسادة والأمراء تستيقظ في نفسه، أليس الخليفة أحد أولئك الأمراء القساة الطغاة بل قائدهم وقدوتهم فيما يفعلون؟ ألم يتخذ من سلطانه أداة للعدوان على شاعر بائس طموح لا جريرة له إلا أن أحب فتاة وأحبته؟ ألم يلصق به ذلك اللقب البغيض الذي وجد فيه منافسوه من الشعراء مادة خصبة للعبث به ومن ذلك قول والبة ابن الحباب: -
كان فينا يكنى أبا اسحق ... وبها الركب سار في الآفاق
فتكنى معتوتها بعتاه ... يالها كنية أتت باتفاق
وإذن فلا سعادة ولا استقرار للشاعر ولا للضعفاء من أمثاله حتى تبيد تلك الطائفة الطاغية المفسدة التي تتمثل في الخليفة ومن حوله من سادة وأمراء وقواد.
وهكذا كان حبه الفاشل سبباً من أسباب تغلغل حقده على ذرى الجاه والنفوذ في عصره على نحو ما سنبينه بعد.