للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبيت - في الحق - محتمل للسخرية، محتمل للمدح، ولو سيق للمدح كان ضعيفا. . ورأيي أن المتنبي لم يقصد إلا المدح، وأن هذا من ضيق باعه لا من سوء قصيده، ودليلي عل ذلك عتيد. . دليلي من القصيدة نفسها، وشاهدي في سوابق هذا البيت ولواصفه. . قبل هذا البيت أبيات فيها رجاء ضارع، وخنوع ذليل، والتماس وضيع، وسؤال ملحف. أفيكون من المعقول أن يقف الإنسان موقفا يمرغ فيه حر وجهه في التراب ثم يكون ساخرات في الوقت نفسه؟ لا: أسمع إذن وتصور أبا الطيب: -

أبا المسك، هل في الكأس فضل أناله ... فإني أغنى منذ حين وتشرب

وهبت على مقدار كفي زماننا ... ونفسي على مقدار كفيك تطلب

إذا لم تنط بي ضيعة أو ولاية ... فجودك يكسوني وشغلك يسلب

أفهذأ قول ساخر؟ أيتفق أن يكون المتنبي في هذه الذلة الذليلة ثم يقول ساخرا من كافور إنني لما رأيتك شاع في نفسي السرور فأنت مما يتسلى ويتلهى به الناس؟ أما أنه لو جاء هذا البيت فريدا مسلوخا من سوابقه ولواحقه لكان سخرية خالصة! ولحق لابن جني أن يقول للمتنبي: ما زدت على أن جعلت الرجل (أبازنة) يعني قرداً!. وإن أحيل الأستاذ إلى ما كتبه الدكتور طه حسين في كتابه (مع المتنبي) عن هذه الأبيات ليرى إن كان المتنبي ساخر حقا. . وإن حاله كانت تستحق أحر الرثاء!

فأما قصيدته التي يزعم الأستاذ الشرباصي متابعة لمتأولة النحاة أنها جائية على التوجيه محتملة المديح والهجاء التي أولها:

عدوك مذموم بكل لسان ... ولو كان من أعدائك القمران

فإنما يذهب بها مذهب الاحتمال أو التحميل أولئك الذين يتحاذقون بقدرتهم على التأويل والتخريج، فأما أحرار الأدباء والنقاد فليسوا من هذه الدعوى في شيء. . فلا يتم للأستاذ ما زعم أنه كان يمدح كافورا بهذه الموجهات إلا إن كان من عشاق التأويلات العقيمة التي لا وزن لها في شرعة الأدب الصحيح!.

وأعجب مما رأيت أن يقول لنا الشيخ الشرباصي أن المتنبي في هذه النونية مدح شبيباً مدحاً بليغاً في حضرة عدوه وقاتله كافور، وهذا أمر نوافقه عليه، ثم قال إن هذا المدح البليغ كان من المتنبي استجابة لدواعي الرجولة والبطولة، وهذا ما نراه فيه قد سقط، وإليك

<<  <  ج:
ص:  >  >>