من أزهار الياسمين، ثم أتناول مرآتي وأذهب إلى مكاني الذي ألفته تحت الأشجار.
إنك ترى بلا شك أنت مشاهدة جمالنا في المرآة يكون على ممر الزمن مملا؟ ولكن شيئا من ذلك لم يحصل لأني لا أنظر بعيني نفسها لأني كنت في الوقت نفسه أحد الشخصين، فكنت أختبر كما يختبر الطبيب، وكنت أطيل النظر وأفتتن وأشتعل بنار الحب. ورغما من انتباهي وحذري أغار أنين على فؤادي وسمع له صوت كنسيم الصبا في المساء.
ومن هذا العهد كففت عن الشعور بالوحدة، وفي أثناء نزهتي كنت أتتبع بنظراتي عبث أصابع رجلي الصغير بالرمل الناعمة، وكنت أسائل نفسي ماذا يكون شعور الدكتور لو كان حاضراً. كنت أمثل الشمس وقت الزوال مغيرة على الزرقاء بنورها الوهاج، ولم يعكر صفاء السكون غير صياح مقتطع المسر البعيد، وصوت وراء سياج الحديقة لبائع خواتم من البلور وهو ينادي نداء شجيا! فرشت على الكلأ ملاءة بيضاء لأستلقي عليها وأسندت رأسي إلى ذراعي وأرحت ذراعي الأخرى فوق الملاءة بشكل رشيق، وقد تخيلت أن شخصا يئن لاحظ وضع يدي الشائقة فشد عليها بين يديه ووضع في راحتي قبلة ذهبية وابتعد ببطيء. وأن وقفنا الحديث هنا فما رأيك؟
- (يكاد يكون ختاما مقبولا) وقد أجبتها بلهجة حالم. قالت: وستبقى الصور ناقصة قليلا ولكنني سأقضي بقية الليل في إصلاح هذا النقص.
- ولكنها تكون جافة. وكيف ندخل فيها الضحك؟ وكيف تصل إلى جعل الهيكل العظمي بضحك وينكر ملامحه؟
- دعني الآن أتمم الحديث. وما إن وجد الطبيب بعض المرضى حتى أخذ غرفة أرضية من منزلنا وأعدها لعيادته. وفي هذا الزمن كنت ألهو بسؤاله عن تأثير العقاقير والسموم والكمية الكافية لقتل رجل، فكانت هذه الأسئلة ملائمة لطبيعته فأجاب عنها بفصاحة ولباقة، وكان من نتيجة هذه المحادثات أن صارت عندي فكرة الموت عادية لا تثير أي أهتمام، وبذلك توطن الحب والموت عالمي الباطني. وإن حديثي قد قارب النهاية لأننا وصلنا إلى المرحلة الأخيرة.
- كما أننا وصلنا إلى المرحلة الأخيرة من الليل.
- وقدلاحظت بعد مدة من الزمن قلقا غريبا يساور الطبيب وظهر عليه كأنه يخجل من أمر