فليس المهم في الأمر هو صدق الوصف ومطابقته للواقع أو عدم مطابقته، بل الشيء المهم هو صدق عاطفة الشاعر. فإن لم يكن الشاعر صادق الشعور والعاطفة جاء شعره رديئاً. . . ووصفه غثاً
. . . ونظرة الشاعر لزهرة السوسن الأبيض ليست كنظرة البستاني لها، وليست نظرة هذين الاثنين كنظرة عالم النبات الأخصائي. فإذا سألت البستاني عن هذه السوسنة لم يزد على أن يذكر اسمها؛ هذه حقيقة، ولكن الشاعر لا يقف عندها بل قد يجيبك كما أجاب (سبنسر)(إنها سيدة الحديقة) وهنا نبتدئ نحس ببعضها ما في هذه الزهرة من جمال شعري وحسن، وقد يأتي شاعر آخر (كبن جونسون) وينظر إلى هذه السوسنة متأملاً فيقول (إنها نبتة الضوء وزهرته) وهكذا يظهر لنا الشعر الجميل هذه الزهرة في حلل بهائها وسرها الدفين
الآن وقد عرفنا أن مادة الشعر هي الحياة، كما هي مادة كل فن آخر من الفنون السامية، وأن غذاءه من الطبيعة، وهي غذاء سائر الفنون، نريد أن نعرف مدى تأثير طبيعة إقليمنا المصري في شعرائنا المصريين
لقد قدمت أن الشاعر الحق هو الذي يشعر بما حوله، أي هو الذي يحس بطبيعة بلاده أو البلاد التي يعيش فيها، فيتأثر بجوها، ويستلهم سماءها ومناظرها، فتوحي إليه بروائع الأشعار
هذا ما كان عليه ذلك الشاعر الجاهلي الذي عاش في الصحراء، والذي افصح عن حياته البسيطة الساذجة في أسلوب شعري دافق
عاش الشاعر العربي القديم تحت سماء صافية سافرة، وفوق رمال مترامية متصلة، وجبال تتفاوت علواً وانخفاضا. يجيل بصره فيما حوله فلا يرى إلا كثباناً من الرمال، وأودية ممرعة نبتت حول بعض الآبار، وقطعاناً من الإبل تروح وتغدو على هذه المراعي الخضراء هذا ما كان يراه، وهذا ما ألف رؤيته كل يوم، فلم يحاول له تغييراً. . .
لم يعرف حياة الاستقرار والطمأنينة، ولم يتعود حياة الرفاهية والكسل، بل كانت حياته حرباً مع الطبيعة، لا ينفك عن الصراع معها. لذلك جاء شعره صدى لتلك الحياة القوية