للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العنيفة التي كان يحياها قوياً عنيفاً، يعبر عما كان يعصف بقلبه من أشواق ولهب، وما يتنازعه من ثورات ونزوات. ومن أجل هذا نرى الشعر الجاهلي أصدق أنواع الشعر لسلامة نفوس قائليه. فهو شعر الفطرة والسذاجة لا شعر الصنعة والتكلف. هو خال من كل فن ورياء، يكشف عن نفسية عربية سليمة، وروح أبية كريمة. ومن أجل هذا نجد كل ما في هذا الشعر من صور قد أخذها الشاعر مما حوله، فهو يستهل قصيدته بوصف الأطلال، ودار الحبيبة التي أقفرت وخلت بعد أهلها. ثم يصف النؤى والأحجار التي حول هذه البيوت، وكيف أن هذه النؤى قد أعانته على معرفة هذه الديار بعد غياب دام سنين طوالاً. ثم يذكر حبيبته وما كان بينهما من حب، وينتقل من هذا إلى وصف ناقته وصفاً دقيقاً، ويصف جسمها وسرعتها، وصبرها على وعورة الطريق وبعد السفر. ثم ينتقل بعد هذا إلى موضوع القصيدة من مدح أو فخر

هذا شأن الشاعر الجاهلي الذي عاش في قلب الطبيعة، والذي تأثر بالطبيعة، ففاضت نفسه بحبها والإشادة بجمالها.

فأين شعراء مصر اليوم من أولئك البدو الذين صوروا لنا تلك المناظر الجافة من رمال وجبال وأطلال قد لا تثير إعجابا، ولا تهز قلب من يراها اليوم في صور شعرية كلها صدق وجمال

ما بال شعرائنا المصريين قد جهلوا الطبيعة وتغافلوا عن أثرها القوي في حياة الشعر وخلوده؟

. . . إن أدبنا المصري الحديث على ما يزخر به من دواوين شعرية لا تعد، وكتب نثرية لا تحصى، أعجز من أن يقف بجانب غيره من الآداب الغربية كالفرنسي أو الإنجليزي في وصف الطبيعة. فإذا عرضنا إلى الأدب المصري الحديث فأننا نجده خلواً من الأوصاف الطبيعية والصور الريفية

أليس من النقص المعيب في أدبنا العصري ألا نرى فيه أغاني شعبية تمتزج بالطبيعة المصرية وتصطبغ بالصبغة القومية؟ أليس من العيب أيضا أن نجد شاعراً إنجليزيا (كلي هنت) يصف النيل ويستمع إلى ضحكات كليوباطرة وسط خرير مائه العذب ويستوحي طبيعة مصر الشاعرة فتأتيه الصور متزاحمة فيندفع شعوره مع تيار النهر ويمتزج بطبيعته

<<  <  ج:
ص:  >  >>