للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم يفيض على جانبيه شعراً قوياً جميلاً؟ بل أليس منظر الفيضان وجريان مائه في قلب الوادي مما يثير في كل مصري شعور العزة والمجد والفخار، ويهز قلب كل شاعر مصري فيترنم بأناشيد الحب والجمال. . ليس من شك في أن طبيعتنا المصرية طبيعة جميلة، شاعرة، وليس من شك في أن طبيعتنا المصرية طبيعة هادئة تبعث على التأمل والتفكير. . ولكن لم لم تلهم شعراءنا المصريين هذا الشعور القوي والإحساس الغزير الذي نحسه في شعراء الطبيعة الغربيين ولا سيما الإنجليز؟ إن الذي يقرأ ورد زورث وبيرون وشلي وكيتس، وغيرهم من الشعراء الابتداعيين الذين ظهروا في أوائل القرن التسع عشر يشعر بقوة هذا الشعر وأثر الطبيعة فيه، بل يشعر بأن روح الشاعر قد امتزجت بما حولها من الجبال والوديان والبحيرات والبحار فصارت جزءاً منها

. . ومن يقرأ (شلي) يقف على سر إحساسه بالجمال. فهو لم يرض بهذا العالم ليكون مأوى صالحاً لروحه، ولكنه لم يجعله عدواً لمثله الأعلى. فهو يتساءل لم لا يكون جميلاً كالبحار والنجوم والبحيرات والغابات والجبال. فطبيعة شلي كانت ميالة دائماً إلى ازدراء الحقيقة

وإن من يقرأ مناجاة شلي للقبرة يقف على تلك العاطفة القوية، عاطفة الحب التي تسلطت على جميع مشاعره، فهو يقول: (سلام عليك أيها الطائر السامي الذي لم تلامس الأرض، ولكنك تحلق في أطباق السماء العامرة بينابيع الفن الأصلية حيث تنسكب في قلبك. ترتفع عن الأرض وتسمو عالياً وعالياً كسحابة من نار، وترفرف بجناحيك في أعماق الجو الصافي. ثم تشدو وأنت تغني، وتغني وأنت تشدو. . . في الأنوار الذهبية للشمس الغارقة في بحار السحب تطير وتسبح. أيها الطائر إنك وإن كنت بعيداً عن أنظارنا، ولكني أسمع أنشودة سرورك، تملأ الأرض والجو بصوتك إذا ما خلع الليل رداء السحب وسقطت أشعة القمر الباردة فغمرت الكون. . . أيها الطائر إنك شاعر مختبئ في ضوء الفكر يترنم بأناشيد الخلود، حتى يتنبه له العالم فيحنو على الآمال ولا يبالي بالمخاوف. . . خبرني من أي الينابيع تستقي سعادتك؟ أمن الحقول، أم من الأمواج؟ أم من الجبال، أم من الأجواء، أم من السهول؟ إن سرورك الصافي العميق لن يفتر ولن يقل، وإن شبح الكدر لن يحوم حولك، إنك تحب، ولكنك لم تشرب قط ثمالة الحب المحزنة. . . . . .)

وقد تحس وأنت تقرأ شعر بيرون بذلك التجاوب القوي بين روح الشاعر وروح الطبيعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>