للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجمود أهم ميزة لمدنيتهم

وجاءت حملة نابليون على مصر عام ١٧٩٧ بمثابة الهزة الأولى التي أيقظتهم من سباتهم. وكان نابليون قد جاء بمطبعة عربية من روما فأقامها في القاهرة وأنشأ معها أكاديمية للآداب والعلوم ومكتبة. فكانت هذه المطبعة أول مطبعة في وادي النيل. وعقب نابليون في حكم البلاد محمد علي فأرسل البعثات العلمية والحربية إلى البلدان الأوربية ولا سيما فرنسا وإيطاليا، ولم يكتف بذلك بل استدعى من أوربا إلى بلاده ضباطاً وأساتذة وأطباء ومهندسين، وأسس في القاهرة مدرسة طبية وأخرى هندسية. وكان يحلم محمد علي على بتشييد إمبراطورية عربية يكون هو على رأسها

وأثر الغرب الذي بدأ في مصر ما لبث أن امتد إلى سورية ولبنان وذلك في عهد إبراهيم باشا ابن محمد علي في العقد الرابع من القرن التاسع عشر (١٨٣١ - ٤٠) فأخذت الرسالات التبشيرية من كاثوليكية وبروتستانتية تشيد المدارس والكنائس فالأمريكيون أسسوا في بيروت عام ١٨٣٤ المطبعة التي لم تزل تعمل باسمهم. وفي عام ١٨٦٦ بنوا الجامعة الأمريكية. وعلى الأثر شيد اليسوعيون الفرنسيون مطبعتهم التي لم تزل في مقدمة مطابع الشرق وجامعتهم المعروفة في بيروت. وما لبث أبناء لبنان وسورية أن أقاموا المطابع والمدارس والمكاتب والجمعيات العلمية والأدبية على منوال المنشآت الغربية. وعقب عصر الترجمة من الإنكليزية والفرنسية عصر الإبداع والاستنباط في الأدب والعلم والفن

وكان من نتائج النهضة الأدبية أن تولد الوعي القومي بين أبناء العربية وذلك بعد أن أدركوا بفضل هذه المدارس شيئاً من ماضيهم المجيد وتاريخهم المليء بالمفاخر. فاليقظة السياسية عقبت اليقظة الأدبية. وتولدت في أفكار القوم الروح القومية بما فيها من الرغبة في التخلص من الحكم التركي وتقرير المصير والاستقلال السياسي

وكان رواد هذه النهضة معظمهم من أبناء لبنان المسيحيين ومن خريجي المدارس الأميركية الذين وجدوا في مصر مجالا أوسع للعمل

فأساس النهضة العربية الحديثة إذن أدبي علمي. وعلى ذلك الأساس تشيدت دعائم الوطنية والقومية العربية. وكل ذلك بتأثير الموجة الغربية التي نقلت إلى الشرق أفكارا علمانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>