للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد

فلو علم قثم أن أبا العتاهية صادقا في التعبير عن شعوره حينما يقول في الزهد لما عبث به كل العبث؛ ولما أغرى الجماز به

ولكن إبراهيم بن المهدي يخطو خطوة إلى الأمام، فيذكر بعض ما كان يدفع الشاعر إلى القول في الزهد:

لا يعجبنك أن يقال مفوه ... حسن البلاغة أو عريض الجاه

إني رأيتك مظهرا لزهادة ... تحتاج منك لها إلى أشياه

فهو يبدي شكة الشديد في صدق الشاعر فيما يدعيه من زهد، ويعتقد أنه إنما يقول ما يقول كي يبني له جاها بين العامة الذين يستهويهم كل ما يدور حول الدين من أحاديث. أو لعله يشير على ما كان للشاعر من نفوذ وصولة نتيجة لاتصاله بالفضل بن الربيع وزبيدة

ولعل اكثر الناس معرفة بأسلوب أبي العتاهية في الحياة هو أبو العلاء المعري، وقد دون رأيه فيه في مقطوعتين من الشعر يقول في إحداهما:

الله يرفع من يشا ... ء رتبة من بعد رتبه

أظهر العتاهي نسكا ... وتاب عن حب عتبه

والخوف ألزم سفيا ... ن أن يحرق كتبه

فأنت ترى شك أبو العلاء في نسك أبي العتاهية وسخريته منه واضحة في البيتين الأولين، ويزيد البيت الثالث ذلك الشك تأكيدا بما يعتقده من مقارنة بين حال شاعرنا وحال سفيان الثوري الذي دفعه خوفه من الخليفة إلى تحريق كتبه. وكأن أبا العلاء يريد أن يشير إشارة لطيفة إلى أن أبا العتاهية إنما تظاهر بالزهد، وأكثر منه القول فيه ليستر ما كان يضمره للخليفة وأنه كان يعني الخليفة نفسه بكثير مما كان يقوله في ذلك الباب على نحو ما سنشرحه بعد

وفي المقطوعة الأخرى يقول أبو العلاء:

أرى ابن أبي إسحق أسحقه الردى ... وأدرك عمر الدهر نفس أبي عمرو

تباهوا بأمر صيروه مكاسبا ... فعاد عليهم بالخسيس من الأمر

بكسوة برد أو بإعطاء بلغة ... من العيش لا جم العطاء ولا غمر

<<  <  ج:
ص:  >  >>