للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مرتعا أكثر خصوبة، منه في العالم الجديد.

فللكاثوليك جذوع راسخة في ألمانيا وفرنسا، فمدارس الفكر العتيدة التي تمثلها: مجلة فرانكفورتر هافتي في ألمانيا، ويتزعمها في فرنسا جيلون وماريتان، هي من دعائم الفكر الكاثوليكي في حاضر الثقافة الفرنسية خاصة، والأوربية على وجه العموم.

ويراقب الفاتيكان هذا النشاط في إطار العقيدة الكاثوليكية مراقبة دقيقة، فبين رجال الكهنوت في الكنيسة الكاثوليكية - وعلى الأخص في فرقتها المثقفة كجماعة اليسوعيين والبندكتيين - جماعة تفرغوا لحاضر الأدب والفن والفلسفة، وساهموا في دراستها والتعقيب عليها، ووفروا لأنفسهم نفوذا بالغا، ساعدهم على تحقيق ما للفاتيكان من قوة في المواصلات الفكرية الحديثة، في دور النشر والصحف، وهيئات الإذاعة. وحين يلمس الفاتيكان شعوبية في التفكير بين المثقفين الكاثوليك من غير رجال الكهنوت، يلجأ البابا إلى هذه المنشورات البابوية التي تعبر في لغة دقيقة عميقة عن رأي الفاتيكان في شؤون الفكر والبحث العلمي. وقد أصدر البابا في ٢١ أغسطس عام ١٩٥٠، واحدا من هذه المنشورات الهامة بعنوان (في الإنسانية) شرح فيه موقف العقيدة الكاثوليكية من البحث العلمي، الذي يعتمد أن يبرز المكتشفات الحديثة في علوم الطبيعة والذرة والفلك والتعليلات الفلسفية، على أساس المقارنة مع التراث الكاثوليكي في هذا النوع من النشاط العقلي. وقال البابا أن الكنيسة الكاثوليكية لا تقف موقفا معاديا للبحث العلمي، فبعض ألوان هذا البحث قد يكون متمما للقيم الدينية والأخلاقية التي تستند إليها الديانة المسيحية. ولكن الذي يخشاه الفاتيكان هو أن يتطور هذا النشاط العقلي، فيتحمس لتشريح العقيدة الدينية بمبضع البحث العلمي، فيفسد على النفوس اطمئنانها. وبعض حقائق هذا الإيمان لا يمكن أن تفسر تفسيرا علميا كما يفسر التفاعل الكيماوي والحركة الميكانيكية، فإذا كان القصد من تسليط أضواء البحث العلمي على العقيدة الدينية ليزداد قبولها بين الناس، فحري بالمتحمسين لهذا القصد أن يتريثوا قبل أن يشكل عليهم الأمر، ويدفعوا إلى الشك والإلحاد. فكما أن لمقدرة الإنسان حدودا وقيودا تجعله في بعض الحالات عاجزا عن تعليل الأسرار العلمية وخفاياها، فإن لمقدرة الفكر على تحليل الإيمان بالعقيدة الدينية، حدود وقيود كذلك. فالتطرف في كلتا الحالتين، يفسد على المرء إيمانه بالعلم وإيمانه بعقيدته الدينية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>