للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صارخة، ومع ذلك فقد جعلها بعد عدة سنين علاقة شرعية، ولكن المجتمع لم يغفر له ولا لها، ولدت كريستيانا له عدة أطفال، ولم يبق منهم في قيد الحياة إلا أوغست الذي وصل إلى منتصف العمر وأصبح ثقلا مرهقا على والديه بسلوكه المتوحش وأخلاقه الفظه وعاداته الذميمة وعربدته الشائنة.

كان غوته يشبه في شبابه (أبولو) أو هرمز (اللهم إلا قصر ساقيه) يشبههما في رشاقته، ولكنه اكتسب سمنة عندما بلغ من الكبر عتيا، وكان ذلك في إيطاليا وفي بداية القرن الذي لازمه طويلا فأصبح وجهه بدينا كئيبا وخدوده متهدلة فتحول أبولو حتى غدا (جوبتر) بالذات، راس رائع وحاجبان بديعان بارزان يعلوهما شعر غزير ملفوف معتنى به، وعينان سوداوان يشعان بالروح مظللتان بظلال التعب والكلل، كما أن لباسه كان يميل بمظهره، إلى المحافظة، أما خشونته التي طالما كان يفخر بالتظاهر والتباهي بها في شبابه فقد اتخذت شكلا واقعيا في سيماء الرجل العجوز، وهكذا اجتمعت فيه خشونة شكلية وتظاهر رسمي وخيلاء خادعة، فحولت كلامه إلى حديث رجل متعلم عادي.

غوته يصبح أسطورة العظمة

تمتاز الفترة بين السبعين والثمانين من عمر غوته بأنها فترة العظمة الأسطورية، وبأنه أصبح الممثل الحقيقي للثقافة الغربية في أوسع معانيها، فشرع الناس يحجون إليه من جميع أنحاء العالم، وكان غوته يكره النظر خلال النظارات، ولذلك لم يكن يحظى لابسو النظارات بحفاوته! أما الزائرون الذين زاروا أماكن غريبة أو شاهدوا مناظر بديعة فقد كانوا محط حظوته والتفاته، وكانت أوامره إليهم تتخلص بـ (قف! دعنا نقتل هذا الموضوع بحثا). كانت فيه رغبة ملحة لمعرفة كل شيء، وإرادة للتصرف على جميع الحقائق التي يمتلكها الآخرون، وإذا ما أظهر أحد الزوار شيئا طريفا أو قدم معلومات ممتعة دعاه للعشاء معه، فيقدم له ما يشاء من المأكولات والمشروبات على طريقة الملوك، وربما سمح له بمشاهدة المجموعات النادرة من الزخارف النحاسية والأوسمة والآثار القديمة التي كان يحتفظ بها في قصره الفخم الذي أهداه إياه الدوق العظيم (قصر فراد بلات)؛ أن الاحترام الهائل الذي حظي به الرجل كان راجعا بالدرجة الأولى إلى جلال كتاباته المبدعة، وما من شك في أن أسلوب حياته وما كان يهواه من العلوم والهوايات أضفت ستارا شفافا

<<  <  ج:
ص:  >  >>