ذلك الراديكالي المجنون لأنه أكبر مني بأسابيع قليلة) وأضاف مشاركه في الحديث بقوله (يا صاحب الفخامة لو كنت ولدت في إنكلترة مثله لأصبحت راديكاليا مشابها له ولانتقدت معايب الحكومة كما فعل هو) فما كان من غوته، وكانت سحنته تشبه سحنة (ميفتوفيلبس) إلا أن يجيب (وماذا كنت تظن؟ لو إنني ولدت في إنكلترة لأصبحت دوقاً أو مطرانا دخله ثلاثون ألف جنيه استرليني) أن هذا هو التفاخر بعينه، والتبجح السافر، والشعور الراسخ بالتفوق، أنه كان يعتقد بصورة أسطورية بأنه لا يمكن له إلا أن يولد تحت احسن الظروف، وأن الانتقادات لا تصدر إلا من أناس ليسوا حائزين على امتيازات ومواهب خاصة.
جوته في أوج قوته
كان غوته معجبا بشعار خاص هو (الجزاء الكامن) في هذا التعبير الذي لم يكن يقف (يصمد) أمام المنطق، ولكنه كان بدهياً على شفتيه، ماذا يعني هذا التعبير؟ أن الجزاء ليس كامنا، أنه يحقق ويحصل عليه، وكل شيء كامن ليس فيه للإنسان فضل (اللهم إلا إذا فصلنا الكلمة من مضمونها الأخلاقي) وهذا ما يقصده هو بالذات. أن هذا التعبير تجن واضح على الأخلاق ولكل نضال واجتهاد. وقد اعتاد غوته أن يقول مفسراً بذلك نظريته (يجب أن يكون الإنسان كي ينتج شيئا) أو بكلمة أخرى أن ما كان يعنيه لا يخرج عن كون الفضل والكرم في الوجود حاصلا بصفته وجوداً لا بصفته عملا، وقد عبر عن عقيدته هذه بصورة متنوعة، ولكن الجملة التالية هي احسن ما أراد أن يقوله (كثيراً ما سمعت الناس يقولون: آه لو أن لتفكير لم يكن صعباً لهذه الدرجة، ولكن الشيء المزري، أن أية كمية من التفكير لا تساعد الإنسان على التفكير، بل يجب أن يكون تفكير الإنسان صحيحا بالطبيعة كي تقف جميع أفكارك الجيدة أمامك، كما يقف أبناء الله الأحرار فينا دونك بقولهم: نحن ها هنا). الطبيعة! لم يكن غوته - في قلبه - ابن أبيه مطلقا، ولو أنه لحد ما يعيد بعض الميزات الأبوية، ولكنه في الحقيقة ابن أمه، أبن (فراد أجا) - بنت اللندهمري - تلك الفتاة ذات المزاح الشفاف، وأكثر من ذلك كان في الحقيقة ابن الأم الكبيرة، ابن الطبيعة نفسها. أما فكرته عنها فكانت الكمال بعينه وضرورة الوجود الذي كان متعلقا به أشد التعلق، ومفهومه له كان لا يتعدى عالما حرا من الأسباب والتصاميم المتداخلة في عالم يعيش فيه