ألا يا أيها الملك المرجى ... عليه نواهض الدنيا تحوم
أقلني زلة لم أجر منها ... إلى لوم وما مثلي ملوم
وخلصني تخلص يوم بعث ... إذا للناس برزت الجحيم
وشبيه بذلك تلك الأبيات التي يقوم فيها الشاعر:
أراك لست بوقاف ولا حذر ... كالحاطب الخابط الأعواد في الغلس
أنى لك الصحو من سكر وأنت متى ... تصح من سكرة يغشاك في نكس
ما بال دينك ترضى أن تدنسه ... الدنيا وثوبك مغسول من الدنس
ويروي أبو الفرج أن أبا العتاهية أنشد الرشيد بعض أبيات هذه القصيدة حين قال به الأخير: عظني فقال الشاعر. أخافك فقال له أنت آمن فأنشد:
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس ... إذا تسترت بالأبواب والحرس
واعلم بان سهام الموت قاصدة ... لكل مدرع منها ومترس
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس
ووجه الشبه بين القصيدتين أن كلا منهما تحتوي على أبيات فيها اعتدال، ولذا أمكن إنشادها للرشيد وأخرى لم ينشدها الشاعر لما فيها من المظاهر الحقد والضغينة ولكنها في الوقت نفسه تبين لنا رأي الشاعر في الخليفة وعواطفه نحوه، وإننا لنرجح أن الشاعر قد قال في هارون مقطوعات شعرية غير التي أسلفنا عبر فيها عن بغضه له وحقده عليه، ولكن الرواة لم يهتدوا إلى غرض الشاعر منها حيث أنها لم تقترن بما يميزها من ظروف وملابسات على نحو ما حدث في الأمثلة السابقة، فنحن مثلا لا نشك في أن أبا العتاهية كان يقصد الرشيد حين قال:
حتى متى تصبو ورأسك أشمط ... أحسبت أن الموت في اسمك يغلط
أم لست تحسبه عليك مسلطا ... وبلى وربك أنه لمسلط
ولقد رأيت الموت يضرس تارة ... جثث الملوك وتارة يتخبط
إلى آخر ما قاله في تلك المقطوعة، وإنما ذهبنا هذا المذهب لأن هارون الرشيد كان إذ ذاك الشخص الوحيد الذي له من السلطان والسطوة ما يمكن معه أن يشك في تسلط الموت عليه إن الحق لشخص ما أن يشك في تلك القضية، كما ذكر الملوك في البيت الثالث يرجح أنه