تنهي عن اللهو واللعب كتلك التي تبدأ:
أنلهو وأيامنا تذهب ... ونلعب والموت لا يلعب
أسلك بني مناهج السادات ... وتخلقن بأشراف العادات
على أنه إذا كان هينا لينا في المقطوعتين السابقتين فقد يصل أحيانا إلى حد الإزعاج كما في قوله:
أيامن بين باطيه ودن ... وعود في يدي غاو مغن
إذا لم تنه نفسك عن هواها ... وتحسن صوتها فإليك عني
فإن اللهو والملهي جنون ... ولست من الجنون وليس مني
وأي قبيح اقبح من لبيب ... يرى متطرباً في مثل سني
إذا ما لم يتب كهل لشيب ... فليس بتائب ما عاش ظني
ولعلنا لا نكون قد ذهبنا بعيدا إذا ادعينا أن بعض تلك المقطوعات كان ينشد بصورة جمعية، ومن يدري لعل زبيدة كان لديها من الجواري من يقوم بإنشاد تلك الأشعار في جانب من جوانب قصر الخلاقة لترد بذلك على ما كان ينشد في الجانب الآخر من أناشيد الحب والغزل، ألا توحي موسيقى المقطوعتين التاليتين أنهما إنما أنشئتا لذلك الغرض
أنظر لنفسك يا شقي ... حتى متى لا تتقي
أو ما ترى الأيام ... تختلس النفوس وتنتفي
خير الرجال رفيقها ... ونصيحها وشقيقها
والخير موعده الجنا ... ن وظلها ورحيقها
والشر موعده لظى ... وزفيرها وشهيقها
وليس ذلك بغريب على زبيدة، ألا ترى أنها عهدت إلى مائة من جواريها بقراءة القرآن في قصرها ليلا ونهارا، وما نظن أن ذلك العمل كان خالصا لوجه الله تعالى وإنما كان للغرض الذي أشرنا إليه في السطور السابقة.
وقد أعتمد الشاعر في تنفيره من الملاهي والملذات على مخالفتها للدين ومجانبتها للآداب العامة، وكان ينظر إليها في بعض الأوقات نظرته إلى ضرب من ضروب الجنون الذي لا يليق بالعقلاء من أمثاله! فكيف بخليفة رسول الله وابن عمه وولي أمر المسلمين من بعده.