كانت حياة غوته في الحب فصلا غريبا، والمتتبع للثقافة العامة مجبر على التصرف بشؤونه الغرامية لكي يكون انطباعه عنها صحيحاً لا تشوبه شائبة، فألمانيا في الأيام - التي نحن بصددها - كانت مثاراً لهذه الحوادث، وليس لدارسي غوته إلا تعداد هذه الحوادث كما كان يفعل (زيوس). أن هذه الحوادث أضحت الآن تماثيلفي (كاتدرائية) الإنسانية، وأما ركوعه وخضوعه أمام (فردريكة) و (ومريانه) و (لوته) وتذلله أمام أقدامهن - وهن ما فيه عليه من سيطرة ونفوذ - فلم يدم طويلا لأنه رأى العواطف الهوج وخرج مما تورطه به مفعماً شهامة وبأساً، وربما كان في هذا الحوادث ما يعوض عن تناقضه الذي كان ينتابه وولاؤه الذي كان أبداً مائلا إلى الانهيار. لأن حبه - في الحقيقة - لم يكن إلا ضرورة ووسيلة لغاية، تلك الغاية التي تتمثل في عمله الأدبي.
كتب مرة على (لوته) قائلا. . . إنك لا تشعرين بفرتر كما يجب وإنما الذي تشعرين به هو أنا ونفسك. وإذا كان في إمكانك أن تشعري بواحد من ألف مما يعنيه فرتر إلى آلاف القلوب لقدرت المتاعب التي تحملتها في سبيل التعبير عنه)
وطبيعي ألا تفهمه النساء ولكنهن تحملن عبئه اضطرارا.
ونظم غوته الشعر منذ البداية على الطريقة الفرنسية والإيقاع اليوناني القديم، وكان شعره موهوبا منسجماً مع روح العصر، فيه خفة ورقة وعذوبة. وقد أصبح بتطور الزمن شاعراً يشار إليه بالبنان في دستراسبورغ، بتأثير هردر. وكان لاتصاله بهوميروس واسيان وشكسبير، وخصوصاً بالأخير الذي كان معجباً به أشد الإعجاب في جميع أدوار حياته، وولعه بالكتاب المقدس وبالغناء الشعبي أثر هائل في توجيه حياته الأدبية وتنمية روح الطلاقة والانطلاق والصفاء فيه. أصبح هردر بفضل تعلمه وعمق إدراكه وغريزته النقدية القائد الأدبي للثورة التي طفت على ألمانيا سنة ١٧٧٠؛ ولكنه كان يعوزه سر العظمة الملهمة والسحر الأدبي واللطف الإنساني، التي كان تلميذه غوته يتمتع بها جميعا، وهذا هو الذي جعل الشاب اليافع يبز أستاذه ويتفوق عليه. وإني أعتقد أن هردر شعر بذلك ولم يتمكن من مغالبته المرارة التي أحدثتها تصاريف الأيام في نفسه. ليس في إمكاننا الآن أن نشعر بمقدار الاستفزاز الذي حدث في ربيع العبقرية، والعاصفة التي أثارتها قصيدته (مرحباً وإلى اللقاء) وكيف أن سياق القوافي وتيارها الجارف بعثر ما تبقى من رماد زيف