وحينما شعر عصمت - قائد الجيش - بالخطر الذي يهدد البلاد، بادر بالاتصال بمصطفى كمال، ليتولى بنفسه قيادة الجيوش ومحاربة اليونانيين.
فلما وصل مصطفى كمال أخذ يدرس الموقف دراسة تامة، ثم أصدر أمره في النهاية بإخلاء إسكي شهر، والتراجع إلى الوراء ثلاثمائة كيلو متر والوقوف عند نهر سقاريا، وقد كان لهذه الأوامر صدى كبير في نفوس أفراد الشعب، فبدءوا يغادرون أنقرة خوفا من تقدم الجيوش اليونانية، كما لاقى مصطفى كمال معارضة شديدة من جانب نواب المؤتمر.
وبعد فترة قصيرة بدأت المعارك من جديد، واستمرت أربعة عشر يوما، أظهر فيها الأتراك قوة وثباتا، وكان يقال عن مصطفى كمال (إنه كان يعمل وكأنه صيغ من حديد؛ وكان ينام أقل الوقت. . كما كان يجلس أكثر وقته إلى مصوراته الجغرافية، وإلى ضباطه يعمل معهم في جلد لا ينفد)
وقد كان لجهوده الجبارة وخططه البارعة أثر كبير في ضعف قوى اليونانيين، وتراجعهم عن المدينة، مما جعل الناس في كل مكان يهتفون بحياة الزعيم، ويطلقون عليه منذ ذلك الحين لقب (الغازي)
ولم يكن هذا النصر ليكفي مصطفى كمال، لأنه عقد العزم منذ البداية على أن يخلص البلاد نهائيا من اليونانيين، ويشهد العالم والتاريخ على أن دولة الظلم لا تدوم، وإن طال الأمد
استمر مصطفى كمال يواصل عمله ونشاطه، فجند جميع الشبان القادرين على حمل السلاح، واتفق مع فرنسا وروسيا، حتى يضمن جانب الدول الكبرى. وفي ذلك الوقت حدثت سلسلة من الكوارث والاضطرابات في داخل اليونان، كان لها رد فعل في الجبهة الآسيوية، فلم يعودوا قادرين على الوقوف أمام الأتراك
وما كان للجيش اليوناني أن ينتظر عونا من الحلفاء، بعد أن خرجت الدول الكبرى من الحرب ضعيفة محطمة، وبعد أن اتفق الفرنسيون مع الأتراك.
ولهذا ترك اليونانيون بمفردهم يجابهون العاصفة، ويواجهون جيش المقاومة. وفي ١٧ أغسطس سنة ١٩٣٢م، أقام الزعيم مباراة كبرى لكرة القدم، اشترك فيها رجال الجيش، وأعلن أنه ذاهب لحضور المباراة، وكان في الواقع ذاهبا لإصدار أوامره لقواده وضباطه.