كل واد، وينزل على إرادتها في كل مطلب، يهادن إذ تطلب الهدنة، ويحارب حين تدفع به إلى الخراب والوبال، وقد مد له في الذهب اللامع، فملأ خزائنه، وضاعت فلسطين شهيدة على يده، وهذه حقيقة مرة يفصح عنها الشاعر في شجاعة ويقظة إذ يصيح
حماة الدار لولا سم غاو ... أساغ شرابه فرط التمادي
ولوغ في دم الخل المصافي ... فقل ما شئت في الجنف المصادي
ولباس على ختل وغدر ... ثياب الواقفين على الحياد
وخب لا يريك متى يواتي ... فتأمن شره ومتى يعادي
تطلع إذ تطلع في رخى ... وتقرع حين تقرع في جماد
ولولا نازلون على هواه ... سكارى في المحبة والوداد
نسوا إلا نفوسهم وهاموا ... غراماً حيث هام بكل واد
أجرهمو على ذهب فجروا ... فلسطين على شوك القتاد
وقادوها له كبش افتداء ... صنيع الهاربين من التفادي
لكنتم طب علتها، وكانت ... بكم تحدى على يد خير حاد
فإذا ترك إنجلترا الداهية وأذنابها الضعفاء، لجأ إلى العامل الثاني، فتسائل عن سر من أسرار النكبة في رأيه، وجهر بالحقيقة سافرة حين أعلن أن هذه المنكوبة لم تضع بددا بحيلة ساحر، أو غضبة قدر لا مرد له، ولكن لأنها - وأخواتها - مسترقة مستذلة قد خيم فوقها الثالوث الأشأم، فلم يبرحها الجهل والفقر والمرض، لحظة من اللحظات، وقد منيت جميعها بفريق من الطغاة، قضوا على المواهب العالية، وحاصروا العقائد المبادئ، ووضعوا الأبرياء في الأصفاد والأغلال، وقام في كل قطر شقيق حجاج طاغ يزيف إرادته، وزياد باطش يعصف بحميته، بينما يملأ يديه من الذهب السائل، ويرسل شهواته مطلقة الأعنة، فلا تذر من شيء عليه، ويفتح أبواب السجون لشهداء الرأي والوطنية والاستقلال، حتى خمدت النخوة العربية، وغرق الشرقي العربي في لجج الاستعباد والهوان. . ذلك ما يفصح عنه إذ يقول: