وعند سلعته تصغي البنون لنا ... نغلي - ونرخصها في الأزمة - السلعا
وجدتها عندهم زهوا منورة ... البيت والبحر والأسواق والبيعا
بينا تراقص بالأنغام صاحبها ... إذا بها توسع الألغام مزدعا
ونحن ما نحن! قطعان بمذأبة ... تساقطت في يدي رعيانها قطعا
في كل يوم زعيم لم نجد خبرا ... عنه ولم ندر كيف اختير واخترعا
أعطاهمو ربهم فيما أعد لهم ... من الولائم صفوا فوقها المتعا
كأسين، كأسا لهم بالشهد مترعة ... وللجماهير كأس سمها نقعا
قتالة، خوف ألا تستاغ لهم ... أوصاهمو أن يسقوهم بها جرعا
وينطلق الشاعر في الحديث عن هؤلاء المتزعمين! وكيف زودهم الاستعمار بوصاياه الخارقة، فصبوا على الشعوب كؤوس الصاب مترعة بالسم الناقع، وقد أدركوا بعض الحذق، فلم يصبوا الكأس مرة واحدة، فتقضي على الشعوب القضاء السريع، بل ساقطوا الجرع السامة نقطة نقطة، لتأخذ وقتا طويلا في التنويم والتخدير، بينما أعدت لهم كأس مترعة بالرحيق السلسال فتنهلوا منها وعلوا كما يشاءون، وليس الزعماء جميعا طراز واحدا، ففيهم من خلصت نبته وكان قصاراه أن تدمع عينه ثم يمسح دموعها بمنديله الرقيق!! وهو على إخلاصه لا يرضى الشاعر! إذ يريد المتحفز الوثوب الكاشر الصائل، وأنت تعجب له حين يدعو في مطلع قصيدته إلى اليأس، فيخلق له الحسنات المتتابعة، فهو ذو حد يقف لديه الأمل الحالم، وهو مصحر الأرجاء لا يمد الظل على اللصوص والأوشاب!! ولكن أي يأس ذاك؟! أنه اليأس من الوعود الكاذبة، والآمال المزعومة، أنه اليأس الذي طوح بالباستيل فاقتلعه من أغواره، وقذف بطارق إلى النصر بعد أن حطم سفينه، ووقف من وراء البحر، وأمام العدو، فكان لابد من النصر في تلك الحنادس الحالكات.
وإن من حسنات اليأس أن له ... حدا إذا كل حد غيره قطعا
وأنه مصحر الأرجاء، لا كنفا ... لمن يلص ولا ظلا لمن رتعا