واقفة على رجل واحدة. . وعندها قام تيمورلنك فضرب الإوز بعصاه حتى تولت برجليها مسرعة. . قال له جحا: لئن ضربناك بهذه العصا لرأيناك تركض بأربع أرجل! وكان ذلك جواباً مفحماً ابتغى من ورائه الإشارة إلى الآثار السيئة التي تنجم عن التعذيب في المجتمع
لقد زادت قيمة جحا وعلت منزلته بين الناس بمر الأيام وكر الأعوام حتى تكون له مركز ممتاز في المجتمع. وقد ذاع صيته في أطراف البلاد، فاهتمت به الأوساط الأدبية وعنت المجالس الثقافية بجمع نوادره الرائعة. . وأحبه الناس حباً جما فكانوا يكرمون وفادته في كل مكان. رجال العلم وأكابر القوم وولاة المملكة وقضاتها لا ينقطعون عن مجلسه ولا يدعونه ينقطع عن مجلسهم
يروى أن أحد القضاة أراد يوما أن يستهزئ بجحا في مجلس ضم جمعا غفيراً من علية القوم، وكان يغريه في ذلك أحد التجار، قال:
- لا غرو أن كثرة الكلام داعية للخطأ، فهل صادف أن سببت لكم الثرثرة خطأ؟
قال جحا: نعم. وكان ذلك في موضعين: أحدهما في جملة (وقاضيان في النار) فقد قرأتها خطأ (وقاض في النار) وثانيهما في آية (إن الفجار لقي جحيم) إذ قرأتها (إن التجار. . .)
ويروى له مع هذا القاضي نادرة أخرى أطراف من سابقتها وهي أن جحا كان يوما جالساً مع صديقه القاضي في قاعة المرافعة، فجاء رجلان يتخاصمان على رفع جيفه ملقاة في الطريق بين داريهما، يطلب كل منهما إلزام الآخر برفعها
رأى القاضي أن يحيل المسألة على جحا فيحسم النزاع وكان يروم الاستهزاء به. فما كان من جحا إلا أنه اعتلى منصة القضاء واصدر حكما يتضمن أن الأفراد غير ملزمين بإزالة الجثث من الطريق العام، وإنما المختص بهذا العمل هو حضرة القاضي الذي يمثل المصلحة العامة
وهكذا حسم الدعوى حسماً موفقاً لمقتضى القانون والعدالة، منتقماً من القاضي الذي أراد الاستهزاء به. .
ويعبر جحا بنكاته البديعة عن واقع الحال تعبيراً صادقاً، ويصور بها الأوضاع السيئة في عصره خير تصوير. فانظر إلى فكاهته هذه كيف يوضح بها سوء القضاء وتفشي الرشوة بين الحكام: