وهي اعتبار الطبيعة ذات حياة وروح يمكن مخاطبتها ومناجاتها ومبادلتها الأفكار والعواطف.
وليس من الصواب القول أن الأدب القديم خلو من مثل هذا النظر أو الشعوب. فقد طالما وقف القدماءعلى الطلول فبثوا لها أشواقهم وسألوها عن أحبابهم، وإنما فعلو ذلك في الأغلب تمهيداً لبعض أغراضهم وجريا على اتباع السنة الشعرية التي كانت تقتضي الابتداء بالغزلومنهم من انطق الطبيعة ونسب أليها التأمل والتفكير كم فعل ابن خفاجة الأندلسي في قصيدة بصف جبلا فيقول فيه:
وقور على ظهر الفلاة كأنه ... طوال الليالي مفكر في العواقب
على أننا نعيد القول أن تجده من ذلك فيما مضى لم يبلغ أن يكون اتجاها عاما أو بابا مستقلا يلجه الأدباء ليتصلوا بالطبيعة فيسجدوا في هيكلها ويحملوا إلينا منه ما توحيه من جمالها وأسرارها، أو على الأقل لم يبلغوا في هذا السبيل شأن زملائهم في القرن العشرين.
أن الطبيعة في الأدب الحديث (حيوية) عالقة يحس بضربات فؤادها ويسمع رخم إنشادها ويلذ له التحدث إلى أنهارها وغابتها وجبالها ووهادها. وممثل لك ذلك جبران جبران إذ يقف أما (الأرض) مقابلا محاسنها بقبائح الإنسان فيقول (ما أجملك أيتها الأرض وما أبهاك). ما أتم امتثالك للنور وأنبل خضوعك للشمس. ما أظرفك متشحة بالظل وما أطول أناتك! نحن نضج وأنت تضحكين. نحن نذنب وأنت تكفرين. نحن نجدف وأنت تباركين. نحن ننجس وأنت تقدسين نحن نكلم صدرك بالسيوف والرماح وأنت تغمرين كلا منا بالزيت والبلسم. نحن نستودعك الجيف وأنت تملئين بيادرنا بالأغمار ومعاصرنا بالعناقيد. نحن نتناول عناصرك لنصنع منها المدافع والقذائف وأنت تتناولين عناصرنا وتكونين منها الورود والزنابق!)
ولشكر الله الجر قصيدة في شلال البرازيل يدعى (تيجوكا) وهي أيضا من باب الوصف التأملي الذي تشعر فيه بحيوية الطبيعة. ومن أداورها: