للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في نفسه من انفعال ثائر يأخذ مظهره في جو من الصخب والضجيج، وفيما أسلفناه من الشعر دليل لما نقول.

هذا وقد تعثر في شعرة على ألفاظ يسيرة تنكرها معاجم اللغة أو القواعد النحوية والعروضية كقولهولن تجدي كإيان نصيرا=يدق من الأسى راح براح

وقوله

أعقما وأمات البلاد والودة ... أنك يا أم الفراتين أنجب

وقوله

وأتى زمان من مكارم أهله ... النفي والتشريد والإعدام

هذه الأبيات وأمثالها تجد نقدا صاخبا من المتتبعين للأخطاء المطبعية والهنات الغوية - وكثير ما هم في بريد الرسالة - ويحسبون انهم ظفروا بصيد ثمين يجر إليهم نصيبا من الذبوع والحقيقة أن شاعر كبير كالجواهري ومن على شاكلته من أنداده الأفذاذ لا يجهلون قواعد النحو، ومسائل اللغة، ولكن يهملون بعض القيود التي تحد من تدفقهم المزبد، وقد يرفضون قاعدة علمية، فيقطعون همزة الوصل، ويضعون ضمير النصب في غير مكانه، وهم يعرفون جميع ما يقوله النحاة واللغويون، ولست أوقفهم على مذهبهم في الاستهانة بالقواعد العلمية، ولكني أدعو سادتنا المتعقبين الأفاضل أن يريحوا أنفسهم من النقد اللغوي المكشوف، لان التعقيب يكون واجبا إذا جهل المنقود حقيقة خطئه؛ أما إذا كان الخطأ معرفا لطلبة المدارس الثانوية - والابتدائية أحيانا فلماذا نشغل به الناس.

ونمضي إلى ميزة الشاعر الثالثة، وهي واقعية التفكير والشعر العربي في شتى عصوره يصطبغ بالواقعية ويسايرهافي كل مكان وزمان ولكن الهائمين بآداب الغرب وروائعه سنوا في الشعر مذاهب جديدة، فأصبحنا نرى الشعر الرمزي الغامض، والخيالي الطائر المتذبذب، وصار لكل أبطاله ورواده، ولكن هناك حقيقة واحدة لا يستطيع أن ينكرها منكر، تلك الحقيقة تنبئ أن رواد المذاهب الشعرية الحديثة لم يستطيعوا أن يفرضوا مذاهبهم على قراء الشعر العربي، وأعوزهم أن يجدوا الشاعر الوثاب الذي يجذب الأنظار إلى مذاهبه، ويخلق له فريقا من الأشياع والتلاميذ، وبهذا بقيت الواقعية صفة ملازمة للشعر العربي على أن هناك أغراضاً شعرية يتحتم على المتجه إليها من الشعراء أنيكون واقعيا فالشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>