للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظلمات إلى النور. . وسكب في روحي أيمانا يشع بالخير والنقاء. . وعلمني أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. . وإن المسلم في الدنيا خليفة الله بالأرض. . ينشر رسالته ويعلي كلمته. . وأنا أدعوك يا أبت إلى نبذ عبادة الأصنام، والإيمان بالله الواحد القهار. . بارئنا وقيوم السماء والأرض. وسكت أبو عامر قليلا ثم اصطكت أسنانه، وتلاحقت زفراته وقال:

- ماذا آري! ماذا اسمع؟ رحماك أيتها الآلهة! أغرب عن وجهي يا حنظلة. . فلا أراك بعد اليوم، وليس لي منذ الساعة بيثرب مقام.

ثم لبس رداءه وحمل سيفه، وامتطى راحلته، وصفق الباب وراءه صفقة عنيفة وأنطلق

(٣)

ومرت سنتان ونصف. . حتى كانت تلك الليلة التي استوى فيها القمر بدرا، وملأ الكون نورا. وقد أنصرف حنظلة من المسجد فرحا يرقص قلبه طربا، وبعد أن بارك رسول الله زواجه بفتاه من الأنصار. . سار في أزقة المدينة، يحيط به أقربائه من الفتيان والبشر يملأ وجوههم؛ والسعادة ترفرف عليهم. . سارو يزفون حنظلة إلى فتاته في عرس لم تشهد المدينة له مثيلا. . فكان الفتيان يهتفون، والنساء يزغردن، وحلت الفرحة كل بيت. . لأن حنظلة حبيب إلى كل قلب، لما حباه الله من رقة في الشمائل، وكرم في المعشر، ونبل في الخلق. . إذا كانت الأصنام قد حرمته في مثل هذا اليوم حنان الأب وفرحته، فقد حباه الإسلام حنان كل أب في المدينة وعطف كل أخ. . فلا عليه أن يهنأ ويسعد وقد غدا الإسلام له أبا وأم. زف حنظلة إلى عروسه وكانت فتاة صنعتها رسالة محمد، فأقبلت عليه تتعثر في أثوابها، فحف أليها يستقبلها، فأفتر ثغرها الحلو عن ابتسامة عذبة أسرت قلبه، وملكت عليه لبه؛ لأنها ابتسامتها الأولى لرجل ٠ فما عرفتها المدينة ألا فتاة عفة نقية، كالزنبقة المغلقة تنشر الشذى من خلف أوراقها البيضاء الندية. ونام حنظلة ليلته هانئا ناعم البال. . ورأى نفسه مع بعض إخوانه في روضة جميلة ضاحكة. . موشاة بالزهر، مضمخة بالعطر، تجري من تحتها الأنهار. . وتخطر في ورودها الحسان، وهن يوقعن أعذب الألحان. . وأفاق من غفوته وقص على عروسه حلمه الجميل. فابتسمت له وقالت: سيتحقق حلمك يا حبيبي. . وكادت يده تلامس يدها حتى سمع منادي رسول الله ينادي

<<  <  ج:
ص:  >  >>