اليونان وكلام الفرس وكلام الهند وغيرهم. ولكنها في العرب اكثر لكثرة تصرفها في النثر والنظم والخطب والكتب وهم أيضاً متفاوتون فيها. فقد يكون العبد بليغا ولا يكون سيده، وتكون الأمة بليغة ولا تكون ربتها فالبلاغة قد تكون في أعراب البادية دون ملوكها وقد يحسنها الصبي والمرأة)
والبلاغة التي يقصدها أبو هلال في هذا النص هي (الملكة) أي القدرة على تأليف الكلام البليغ وهي قديمة جدا قدم الأدب. ليست هذه الآداب إلا آثارها ودلائل وجودها ولقد وجدت الآداب منذ وجدت الجماعة. وكان لهذه الجماعة تحضر وتمدن وعقيدة.
أما الاتجاه إلى دراسة هذه الآداب بقصد نقدها واستنباط قواعد البلاغة منها فهذا ما تأخر ظهوره اختلفت مظاهره عند كل أمة وفي كل أدب حسب الظروف والملابسات. أما عند العرب فقد نزل القرآن بلغتهم الأدبية وفيه كثير من الأنواع البلاغية؛ لكنهم ما كانوا في فهمه وتذوقه إلى علم آو معلم أنهم بلغاء بالطبع لكن الدين قد انتشر ودخل فيه خلق كثير من غير العرب بدءوا يقرءون القرآن فيلقاهم منه من الكلمات والآيات ما يعجزهم فهمه ويعز عليهم تأويله. ولهذا رأينا منهم من يسعى إلى بعض علماء العربية (أبي عبيد سنة ٢٠٦ هـ) يسأله في معنى قول الله (طلعها كأنه رؤوس الشيطان) فيجيبه بما هو من صميم العربية ومألوف استعمالها.
ولكن هذا العالم الجليل لا يدع الموضوع يمر دون التفات منه لحاجة الناس إلى بيان فيه فيؤلف كتابه (مجاز القرآن) وتكون هناك محاولات وابتداءات تظهر في شكل رسائل آو مقالات، وتنشط هذه الحركة وتنمو، ويزداد سلطان المعتزلة ظن ويترجم منطق أرسطو فيتصلون به والفلسفة اليونانية؛ ويعجب الفرس وغيرهم بهؤلاء المتكلمين الذين يحكمون العقل والمنطق في جدولهم وحوارهم فينحازون لهم وينضمون إليهم.
وتروج هذه الثقافة وتشيع فتزدهر البلاغة وتنموا حتى إذا جاء القرن الثالث، عرف بجمع المادة الأدبية وعرضها في أبواب تنقصها الطريقة العلمية ولكنها موصولة أليها فهذا (الجاحظ)(٢٥٥) يبتدئ به البيان ويكتب فيه ويجمع له مادة غزيرة، متعقبا بعضها أحيانا