بنقد يعتبر أساس للبلاغة وللنقد المنظم فهم يتحدث عن الفصيح وعن الفصاحة ويفرق بين الفصاحة بمعنى البيان وبين البلاغة بمعنى الوصول إلى الغرض؛ ثم يعرض لتعريفات عدة في البلاغة عند العرب، وعند غيرهم ممن لهم بالعرب اتصال جغرافي أو ثقافي.
ويعمل جهده في التدليل على أصالة البيان العربي وأنه للعرب خاصة، ويتكلم في الأسجاع ما يحس وقعه منه وما يسؤ مع التمثيل لهذا وذاك، ويطوف في بيانه وتبيانه على الشيء الكثير من الأنواع من البلاغة، وقد يؤرخ لها ويقارن بينها ضاربا الأمثال من القرآن والسنة والشعر القديم والشعر الحديث. ثم هو يعد صاحب المذهب الكلامي.
وبحق ما قيل من أنه أول باحث في البلاغة، ولكن أبحاثه لم تكن مبوبة ومرتبة، وإنما هي معلومات عابرة فتحت مغاليق هذا العالم.
وبموت الجاحظ حوالي منتصف القرن الثالث الهجري كانت البلاغة قد استقرت عند أوليات الأمور التي تبحث فيها وتفنن لها، وقد لخصها الدكتور طه حسين باشا آو عنوان لها بالأمور الآتية:
الكلام على صحة مخارج الحروف، ثم على العيوب التي سببها اللسان آو الأسنان آو ما قد يصيب الفم من التشوه.
الكلام على سلامة اللغة، والصلة بين الألفاظ بعضها ببعض، والعيوب الناشئة عن تنافر الحروف.
الكلام على الجملة والعلاقة بين اللفظ والمعنى، ثم على الوضوح والإيجاز والإطناب، والملاءمة بين الخطبة والسامعين لها، والملاءمة بين الخطبة وموضوعها.
الكلام على الخطيب.
أما النصف الثاني من القرن الثالث فقد ظهر فيه علمان من أعلام البلاغة، ترك كل منهما فيها من الآثار ما جعلها تنقسم إلى قسمين آو تسير في اتجاهين: أحدهما عربي صرف آو هو اقرب أن يكون عربيا صرفا، والثاني منطقي صرف آو هو اقرب أن يكون منطقيا صرفا: -
فأما أولهما: فهو عبد الله بن العتز (٢٩٦ هـ) فهم ما قاله الجاحظ واهتدى بطريقته وجمع من فكرته مع زيادة علها ما ألفه وسماه (البديع) وجعل منها خمسة أنواع أصيلة عند العرب