للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الدول التي تتحين ميلاد الأوضاع الثائرة فتزحف لتملأ (الفراغ) بدعوى حفظ الأمن والاستقرار. ولنا في اختباراتنا واختبارات غيرنا في كوريا وغير كوريا أمثلة وافية على ذلك.

وحين يحاول أكثرنا في صدق ونباهة أن يدفع عن نفسه القلق وإن يواجه مسؤوليات السياسة والاجتماعية والفكرية يجد نفسه تنزلق في مسلك وعر.

ففريق يندفع إلى الاعتقاد بان جوهر الأشكال هو توفير الحرية الديمقراطية خالية من سيطرة الذين ورثوها مع ما ورثوه من مال وعقار. ومن ثم يتجه هذا الفريق إلى النشاط الحزبي مدفوعا إلى ذلك برغبة تلح في أن يصلح الأداة السياسية فيحقق لنفسه ولقومه العدالة والطمأنينة في مفاهيمها العديدة، واثقا من أن الحرية السياسية (على نحو ما تفسرها الديمقراطية الغربية) ستوفرها له على أتم الوجوه وأحسنها. وهذا الفريق أميل إلى تجاهل العناصر الأخرى التي تشارك الحرية السياسية في الأهمية والقوة.

وفريق آخر يختار التفسير الاقتصادي لأزماته ومسؤولياته فيجد العلة الكبرى في تركز الثروة وفقدان التوازن في النظام الطبقي ويتحمس لاعتناق تعاليم (ماركس) وغيرة من أبناء الشيوعية ودعاة الاشتراكية على علاتهما. وهذا الفريق أميل في المراحل النهائية إلى الشك في صلاح هذا التفسير الاقتصادي منه إلى الثقة به. فأنبياء الشيوعية ودعاتها لم يتطرقوا إلا من طرف غير مباشر إلى ألوان العقد والمشاكل والمسؤوليات التي يواجهها جيلنا مجتمع عربي إسلامي هم بحكم البيئية والتراث والمقدمات وبفضل دوافعه الروحية والمادية يختلف في أوجه عديدة هامة عن المجتمعات التي عالج مشاكلها ماركس وفلاسفة الاشتراكية الأوربيون. ومثل هذا الفريق مثل الطبيب الذي يعالج أمراض المناطق الحارة بالأدوية والوصفات التي تعالج بها أمراض القطب المتجمد الشمالي. وهناك فريق ثالث يشارك أقرانه في مواجهة التحدي وملاقاة المسؤوليات التي فرضت عليه ولكنه لا يسمح لنفسه أن تقتنع بأي حل من الحلول التي أقتنع بصلاحها الفريقان الآخران. فهو لا يؤمن بان الحرية السياسية كما تبشر بها ديمقراطيات الغرب كافية وحدها لبناء المجتمع الجديد. فهذه الديمقراطيات نفسها ساعية لتطعيم أنظمتها بعناصر مستجدة من تطور الفكر والوعي في الجيل الجديد. وهذا الفريق الثالث لا يستطيع كذلك أن يتجاهل العناصر التقليدية

<<  <  ج:
ص:  >  >>