وانبهروا عن اللحوق بك، لست أملك نفسي أن أثور لك فأفقد أصدقائي، وأستهدف لملام الناس وتقريعهم، وخير لي ولك وللناس جميعا، أن تلقي إلي سمعك وتبذل من وقتك بمقدار ما تنظر في هذه الرسالة، فلعله أن تلتقط من بينها ما يضئ لك السبيل، فتمضي حيث يمضي الناس، لا تخلد إلى الأرض، أو تحيا في السماء وانه ليطفئ علي شعورك بأنك ربما أزريت بي وبقلمي وبسائر منهجي، فقد جلست مني يوما مجلسا فيه طائفة من الاتهام، وكثير من الحيف وخشيت على نفسي أن أكون كما جردتني من كل محمدة، وألصقت بي كل مذمة، وقمت خزيان من ترادفك وإطرادك، ولا أبرئ نفسي من المساقط والمزالق؛ فيما في الحياة من برئ من الذنب، وخلص من العيب، ولا حملت لك نفسي غيظا، أو ما يشبه الغيض، لأنك أخي، وما يمكن أن يريد أخي إلى إحراجي، أو إغاظتي أو النيل مني، أو الزراية بي، وأنت تفهم عني هذه الحقائق سافرة واضحة، وربما كان هذا هو الذي دعاك إلى الثورة علي بالأمس، كما أثور أنا عليك اليوم، ولا احب أن أتميز عليك في خليقة، أو أفظلك في مكرمة. هي مسائل من هامش الحياة ولكنها ترمى إلى الصميم، وقد تعدها أنت تافهة، ولكنها في اعتباري جسيمة، وهي لا تخصني أنا، فمن خلقي التسامح والعفو والإغضاء، ولكنها تمس أشخاص يمتون إلي بسبب، وهم يدققون في مسائل الحياة، بما لا يستوجب العتاب، لان ذلك منهج البشر، وما بد من الخضوع لهذا القانون، وقد تجنيت عليهم، وتخدعك نفسك أن رائدك الحق، وما سواء الباطل، وأنا وهم وسائر الناس لا نراه ألا تعنتا وشططا، ومبعثه الخيال، ومرده إلى الجور والتحيف. . إنها مسائل مما أراه يدنو من فهمك، ولا تقتصر عنه يدك، ولا يعوزك أن تفهم أن سوء الظن في أقوال الناس وأفعالهم يكاد يملك عليهم أسماعهم وأبصارهم، ويأخذ عليهم مسالك التعقل، فلا يدع للهدوء إلى أنفسهم طريقا، فإن رأيت ألا تضع نفسك مواضع التهمة، وتعلم أن هذا المجتمع البشري، يقتضيك أن تفهمه، وتعقل مواجبه، ولا تشذ عنه برأي، أو تنعزل بفكرة، في غير ما استهانة بكرامتك، أو امتهان لشخصيتك، كنت قد حققت أملي فيك، ورأيت أنني رميت إلى غابة، وأصبت في مسعاي، وإن تركت الثغرة تفصل بينك وبين الناس، ورغبت عن حديثي إليك وبرمت بدعوتي إياك أن تجانس الناس في اتجاهاتهم، وتتلاقى وإياهم في أفكارهم، فتجاملهم في غير نفاق، وتقدرهم بلا تكليف، وتأني إليهم الذي يأتونه إليك، فلن