وجهت إلى مواد الميثاق المقترح يتعمد توكيد الحقوق المدنية السياسية والأسس الديمقراطية (كما يفهمها الأمريكان) في الحكم وفي سلوك الفرد توكيدا مفضلا على سواه من التوكيدات.
وكان من الممكن أن تسود وجهة النظر الأمريكية في أعمال اللجنة بفضل ما للأمريكان من نفوذ في أعمال الأمم المتحدة لولا ظاهرة مستجدة في حاضر السلوك الدولي. . هذه الظاهرة يمثلها وتعبر عنها طائفة من الدول الصغرى في آسيا وأمريكا اللاتينية وهي دول إن فقدت النفوذ العسكري والسياسي في تسيار العلاقات الدولية فإن لها ضربا آخر من النفوذ يستند إلى تعداد أصواتها في المؤتمرات الدولية - وهو تعداد يرجح الكفة حين يتكتل ويجمع على اتخاذ خطوة يختلف عليها الكتلتين الرئيسيتين (السوفيتية والأوروبية - الأمريكية) التي تكثر اختلافاتها في حلقات التفاوض أو الخصومة الدولية.
وإزاء اختلاف الروس والأمريكان في وضع حجر الزاوية وتحديد نقطة الارتكاز في حقوق الإنسان وهي العنصر الاقتصادي أن الحرية السياسية والمدنية بأوسع معانيها نشط منودبو الدول الصغرى الذين يمثلوا آسيا (ومعهم مندوب مصر الدكتور محمد عزمي) وأمريكا اللاتينية إلى التكتل، أصروا على أن تجربتهم في عهود الاستعمار والسيطرة الأجنبية لم تقنعهم بأن توكيد الحرية السياسية كما فسرها الأوربيون والأمريكان كاف لأن يضمن للفرد حقوقه الطبيعية وحقوقه المكتسبة، وإن التطور الذي ألم يحاضر الفكر يفرض على اللجنة أن توازن موازنة عادلة بين فضائل الحرية السياسية بمعانيها الواسعة الشاملة وبين فضائل الضمان الاقتصادي والاجتماعي. فالناس في الشعوب الآسيوية والأفريقية واللاتينية التي لم يكتمل بعد نموها الاقتصادي والاجتماعي لا تستطيع أن تضمن حقوقها السياسية وتوطد حرياتها الديمقراطية ما لم يتوفر لديها من أسباب العدالة الاقتصادية والضمان الاجتماعي ما يساعدها على أن تنال حرياتها السياسية كاملة، فالفرد الذي لا يتوفر له فرص اقتصادية تعينه على ملء معدته، وطريق اجتماعية تساعده على تغذية عقله بالعلم والتحصيل، لا يحسن الانتفاع بحريته السياسية حتى لو تحققت له كاملة في الدساتير والتشريعات.
وتعمد مندوبو الدول الصغرى أن يفهموا اللجنة بأنهم في حماسهم لتوكيد التوازن بين الضمان الاقتصادي - الاجتماعي، وبين الحرية السياسية والمدنية؛ ليسوا مدفوعين بعداء أو ولاء لأي من النظم (السوفيتية أو الأوربية - الأمريكية) وإنما هم مقيدون بما يلمسونه