وغيب الرسالة بعد ذلك في الظرف وختمه. . . ثم ألصق عليه طابع البريد. وكان هو يفعل ذلك حالما ساهما، مفكراً واجما، تتناوب وجهة الحمرة والصفرة. يرى يديه ترتجف وأصابعه ترتعش. . . ولم يكن ذلك لما يشعر من تأنيب في الضمير لسرقته، أو وخز في النفس لفعلته. بل كان ذلك لأنه لا يستطيع درء الفضيحة عنه، ولا يمكنه دفع العار بعيدا منه، ولأنه سيفقد عمله لما أتاه من المنكر، ولما اقترفه من الجرم.
إن السبيل الوحيدة والطريق السهلة المعبدة للخلاص من الفضيحة، والاغتسال من العار اللذين سيجرهما عليه اكتشاف الحادث. هي رصاصة تحترق رأسه.
وأبصر يده ترتجف وهو يشعل إحدى لفافات التبغ، فأيقن أن تظاهره بالثبات وادعاءه الرزانة والهدوء إن هما إلا قناعا شفافا يخفي وراءه ما يصطخب في نفسه ويعج من عوامل الرعب والفزع الهائلة. . . وقال بلهجة الواثق يحدث نفسه:
- سينتهي كل ذلك سريعا. . ما هي إلا ضغطة واحدة لهذا الزناد وينتهي الأمر كله، بل ويشق على أي أحد أن يلحق بي أو ينالني.
وأخفى المسدس في أحد أدراج المكتب، ثم تناول الرسالة، وغادر البيت ليودعها صندوق البريد، أي حظ تعس ذلك الذي يلازمه؟ من له بمن يمد له يد العون فيرد المال المسلوب قبل أن يجردوا الخزانة؟ أي دهر جائر ظلوم، هذا الذي يأبى مساعدته وتخليصه من وهدة العار التي تردى فيها، وهاوية الدرن الذي تمرغ فيه.
وتمتم فورلاند يحدث نفسه:
- ها هو ذا آخر يوم من أيام حياتي، ينقضي تحت سمعي وبصري.
وألقى الرسالة في صندوق البريد، ثم كر راجعا إلى مثواه.
وهناك أخر المسدس وأدناه من رأسه المحموم، وزم شفتيه، وغمض عينيه، وراحت إصبعه