للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فأزهو بأني حطمتها

كل شيء لم يكن غير الثورة واليأس: -

فقامت تلم بقايا القوى ... على هيكل مضمحل الأهاب

وتسحب أنغامها النازفات ... وتقلع خطوتها باغتصاب

إلى أن محاها شفيف الفضاء ... وأغوت هداها الفيافي الرحاب

تساقط ثورتها في الرماد ... وتعشو بصيرتها في الضباب

وقد جمد الكون في نبضها ... وغاض الجمال بقفر يباب

وأين مضت في غيوم الظلام؟ إلى الخلد؟ لا بل سحيق التباب

مصير الذي فج في نفسها ... مغاور يأس عتي الرغاب

تسائل عن ذاتها في القبور ... فتهتف ديدانها بالجواب

ومن حولها. . . كل ما حولها ... ضجيج ضياع. . وصمت غياب

ثم مضت سنتات. . وفي سنة ١٩٥١ حدثت للشاعر حركة انتقال كبرى. . فبعد صراع نفسي واجتماعي عنيف تزوج حيث احتضن إلى حياته العاصفة إشراقة من السماء وجذوة من النفس. فانتقل من بين الأغلال الجبلية في عدن إلى مسكن أنيق في ضاحية (الشيخ عثمان) في فيحاء من الرمال حيث مسير القوافل. . الرعاة في المساء. . وحداء البدو. . فاعتزل المجتمع فترة طويلة إلا ما يعنى بها في مدرسته وبين طلابه.

وآنذاك بغضا الحياة في عدن. . بغضاها معاً. وأحسا أنهما يفقدان شيئا جسيما. . هي (الحرية). . هما يعيشان ولكن في محيط من البارود والأغلال. . فحملا أمتعتهما وحطما أطواق الجبال فجاءة إلى غابات أفريقيا. . إلى يوغنده. . حيث يدير اليوم الشاعر مدرسة إسلامية في (كلمولي) وكان ذلك في نوفمبر من عام ١٩٥١.

وهما الآن وحيدان هناك. ليس معهما من جني الدنيا سوى الحب. . غريبان يعيشان على زاد ضئيل جاف من أباديد الذكريات.

وفي مساء بارد ممطر موحش. . حينما وضعت راحتها على كتف شاعرها الغريب بحنان وأجهشت تبكي فراق الأهل فهتف من أعماقه:

نفض المساء ستار نافذتي ... فترنحت في رعده الهطل

<<  <  ج:
ص:  >  >>