للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رغما عما للعوامل الاقتصادية والأسباب المادية التي ذكرناها من الأهمية العظمى في تكييف السياسة وتحديد معتقدات شعب من الشعوب فإننا لا يمكن أن نتجاهل بعض العوامل الأخرى التي كان لها أكبر الأثر في تاريخ الإنسان وحياته العامة.

(أ) وأشد هذه العوامل وضوحا وأكثرها إهمالا من جانب الاشتراكيين اتباع كارل ماركس عامل القومية، فكثيرا ما تعارضت القومية مع المصلحة الاقتصادية وتغلبت عليها فتريستا مثلا كانت تعد نفسها قبل الحرب العظمى إيطالية مع أن مصلحتها الاقتصادية كميناء تتوقف على تبعيتها للنمسا، ولكن نظراً لأن أكثر سكانها من الإيطاليين فقد كانت تضحي بفائدتها المادية في سبيل إشباع شعورها القومي. كما أن انفصال دول البلقان عن بعضها أدى إلى ضعفها الاقتصادي ومع ذلك فقد تم الانفصال تحت تأثير عوامل عاطفية قومية بحتة.

وقد كان العمال أثناء الحرب العظمى يسيرون مندفعين وراء شعورهم القومي متناسين رأيهم الاشتراكي الذي كانوا ينادون به (يجب أن يتحد العمال في جميع أنحاء العالم) تجاهل العمال هذا المبدأ حيناً، ووقفوا في ميدان القتال وجها لوجه للمحافظة على حدود الوطن وتلبية لداعي القومية. وقد يعترض أصحاب فكرة التفسير الاقتصادي على ذلك فيقولون، إن العمال كانوا يستمعون في هذا القتال لنداء أصحاب رؤوس الأموال الذين رأوا في الحرب فرصة للصيد في الماء العكر، وتكديس الأرباح والمكاسب ولكننا لا نقيم لهذا الاعتراض وزنا إذا عرفنا أن كثيراً من الرأسماليين هووا إلى الإفلاس أثناء الحرب.

(ب) ومن العواملذات الأثر البين في التاريخ المنافسة وحب السيطرة. فالمنافسة التجارية بين إنجلترا وألمانيا كانت سبباً هاماً في نشوب الحرب الكبرى، والمنافسة كما نعلم غريزة من غرائز الإنسان المتعددة تظهر بأشكال مختلفة وقد كان هذا الوجه الاقتصادي الذي ظهرت به قبيل الحرب أحد هذه الأشكال فلا يمكننا إذن أن نعد هذا السبب من أسباب الحرب من بين العوامل الاقتصادية فقد كان بوسع أصحاب الأموال من إنجليز وألمان أن يتحدوا ويتعاونوا فيجنوا من وراء ذلك الأرباح الطائلة، ولكن غريزة المنافسة غلبت عليهم فتجاهلوا مصلحتهم الاقتصادية واندفعوا وراء غرائزهم الوحشية.

هذا وقد دفعت غريزة السيطرة وحب القوة الإسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم إلى تملك

<<  <  ج:
ص:  >  >>