والمدهش الذي لا يتوقعه القارئ من الأستاذ عنان بعد أن كتب هذا الكلام، أنه يتفق مع رجال الدين في هدف واحد، فينادي بحرمان المرأة مما تزعمه لها من الحقوق، ولكنه يرفض أن يكون هذا الحرمان وفق تعاليم الشريعة الإسلامية كما يقول رجال الدين! بل احتذاء وتقليداً لفرنسا وإنجلترا وبلجيكا! إذ أن هذه الدول الغربية قد لزمت الحيطة والأناة حين منحت للمرأة حقوقها السياسية في فترات متباعدة، ولم نفتح لها الباب على مصراعيه مرة واحدة، فالثورة على القوانين الإسلامية وحدها هي التي تشغل بال الأستاذ، وتدفع بع إلى محاربتها دون تردد واكتراث.
ولقد كان اللائق بالكاتب بعد أن تشبث بالقوانين الوضعية واعترف بأنها - وحدها - التي توافق روح العصر، ومقتضيات الحياة الاجتماعية، أن يدافع عنها دفاعا يحببها إلى الذهن المصري الحديث، بعد أن كفر بها كفراً لا مزيد عليه، إذ أنها سيطرت على التشريع المصري حقبة طويلة، ففتحت الطريق للرشوة والظلم والاستبداد، ومحت معاني العزة والحرية والكرامة من النفس، وهذه القضايا السياسية الفاضحة التي تمتلئ بها صفحات الجرائد كل يوم لم تكن غير نتيجة حاسمة لهذه القوانين الآثمة التي تتستر على الخيانة والرشوة والاختلاس والتبذير، حتى فطن المصريون إلى ما تجره الشرائع الغربية من نكبات أليمة على الشرق والإسلام، فأعلنوا الحرب عليها في غير هوادة، وسيأتي اليوم التي تلفظ فيه أنفاسها في الشرق الإسلامي إلى غير رجعة مادام في الشر قرآن يعلن كلمة الله، وجمهور يعتقد أن الحكم بغير شريعة الإسلام ضلال وكفران.
وإذا كانت الدستاير الحديثة التي يؤمن بها الأستاذ عنان تنادي بأن الأمة مصدر السلطات، فلماذا يخالفها الأستاذ مخالفة سافرة فيتحدى الشعور السائد في الجمهور، ويتجاهل ما طرأ على المجتمع من تطور سريع في الرأي والاتجاه؟ ويغمض عينه عن الآلاف المحتشدة التي تنادي بالاحتكام إلى الإسلام؟
إن كان الكاتب في شك مما نقول، فلينظر إلى من يطالبون بشريعة القرآن الآن؟ أهم الأزهريون وحدهم كما كان الحال منذ أعوام؟ أم أن الصفوة المختارة من الشباب الجامعي طلابا وأساتذة يجاهدون في هذا السبيل جهاداً يوشك أن يكلل بالنجاح!
من المسيطرون اليوم على دعوة الإخوان المسلمين؟ أليسوا أعلام القانون وأساتذة التشريع