بشعره في، وقولي له يومئذ: حبا وكرامة وعزازة لوجهك الجميل. وتناولت العود وجسته بقلبي قبل يدي، وضربت عليه كأني أضرب لعبد الرحمن، بيد أرى فيها عقلا يحتال حيلة امرأة عاشقة. ثم اندفعت أغني بشعر حبيبي:
إن التي طَرقَتْك بين ركائب ... تمشي بِمزْهَرها وأنتَ حَرام
لِتَصِيدَ قلبَكَ أو جزاء مودَّةٍ ... إن الرفيقَ له عليكَ ذِمامُ
باتتْ تُعَلِّلُنا وتَحْسِب أنَنا ... في ذاك أيقاظٌ، ونحن نيامُ
وغنيته والله غناء والهة ذاهبة العقل كاسفة البال، ورددته كما رددته لعبد الرحمن، وأنا إذ ذاك بين يديه كالوردة أول ما تتفتح. وأنا أنظر إليه وأتبين لصوتي في مسمعيه صوتا أخر. . . وقطعته ذلك التقطيع، ومددته ذلك التمديد، وصحت فيه صيحة قلبي ونفسي وجوارحي كلها كما غنيت عبد الرحمن، لكيما أؤدي إلى قلبه المعنى الذي في اللفظ، والمعنى في النفس جميعا، ولكيما أسكره - وهو الزاهد العابد - سكر الخمر بشيء غير الخمر، وما أفقت من هذه الغشية إلا حين قطعت الصوت، فإذا الخليفة كأنما يسمع من قلبي لا من فمي وقد زلزله الطرب، وما خفي على إنه رجل قد ألم بشأن امرأة، وخشيت أن أكون قدافتضحت عنده، ولكن غلبته شهوته، وكان جسدا بما فيه، يريد جسدا لما فيه، فمن ثم لم ينكر ولم يتغير. واشتراني وصرت إليه، فلما خلونا سألني أن أغني، فلم أشعر إلا وأنا أغنيه بشعر عبد الرحمن:
ألا قُلْ لهذا القلبِ: هل أنت مُبْصرُ ... وهل أنتَ عن سلاّمةَ اليومَ مُقْصرُ
إذا أخَذَتْ في الصوتِ كاد جليسُها ... يطيرُ إليها قلبُه حين تنظرُ
وأديته على ما كان يستحسنه عبد الرحمن ويطرب له، إذ يسمع فيه همسا من بكائي، ولهفة مما أجد به، وحسرة على أنه ينسكب في قلبي وهو يصد عني ويتحاماني، وما غنيت:(وهل أنت عن سلامة اليوم مقصر) إلا في صوت تنوح به سلامة على نفسها وتندب وتتفجع!
فقال لي يزيد وقد فضحت نفسي عنده فضيحة مكشوفة: يا حبيبتي، من قائل هذا الشعر؟