قلت: هو عبد الرحمن بن أبي عمار الذي يلقبونه بالقس لعبادته ونسكه، وهو في المدينة يشبه عطاء بن أبي رباح، وكان صديقا لمولاي سهيل، فمر بدارنا يوما وأنا أغني فوقف يسمع، ودخل علينا (الأحوص) فقال، ويحكم، لكأن الملائكة والله تتلو مزاميرها بحلق سلامة، فهذا عبد الرحمن القس قد شغل بما يسمع منها، وهو واقف خارج الدار. فتسارع مولاي فخرج إليه ودعاه إلى أن يدخل فيسمع مني فأبى، فقال له: أما علمت أن عبد الله بن جعفر، وهو من هو في محله وبيته وعلمه قد مشى إلى جميلة أستاذة سلامة حين علم أنها آلت إليه ألا تغني أحدا إلا فيمنزلها، فجاءها فسمع منها، وقد هيأت له مجلسها، وجعلت على رؤوس جواريها شعورا مسدلة كالعناقيد، وألبستهن أنواع الثياب المصبغة، ووضعت فوق الشعور التيجان، وزينتهن بأنواع الحلي، وقامت هي على رأسه، وقام الجواري صفين بين يديه، حتى أقسم عليها فجلست غير بعيد، وأمرت الجواري فجلسن، ومع كل جارية عودها، ثم ضربن جميعا وغنت عليهن، وغنى الجواري على غنائها، فقال عبد الله، ما ظننت أن مثل هذا يكون! وأنا أقصدك في مكان تسمع من سلامة ولا تراها، إن كنت بالمنزلة التي لم يبلغها عبد الله بن جعفر!
قالت سلامة: وكانت هذهيا أمير المؤمنين - رقية من رقى إبليس، فقال عبد الرحمن: أما هذه فنعم. ودخل الدار وجلس حيث يسمع، ثم أمرني مولاي فخرجت إليه خروج القمر مشبوبا من سحابة كانت تغطيه، فما رآني حتى علقت بقلبه، وسبح طويلا طويلا، وما رأيته حتى رأيت الجنة والملائكة، ومت عن الدنيا وانتقلت إليه وحده. . .
قالت سلامة وافتضحت مرة أخرى، فتنحنح يزيد. . . فضحكت وقلت يا أمير المؤمنين، أحدثك أم حسبك؟ قال: حدثيني ويحك! فوالله لو كنت في الجنة كما أنت لعدت قصة أدم مع واحد واحد من أهلها حتى يطردوا جميعا من حسنها إلى حسنك، فما فعل القس ويحك؟ قلت يا أمير المؤمنين، إنه كان يدعى القس قبل أن يهواني. فقال يزيد وهل عجب وقد فتنته أن يطرده (البطريق) قلت: بل العجب وقد فتنته أن يصير هو البطريق. . .!
فضحك يزيد وقال: إيه، ما أحسب الرجل إلا قد دهي منك بداهية! فحدثيني فقد رفعت الغيرة، إني والله ما أرى هذا الرجل في أمره وأمرك إلا كالفحل من الإبل، قد ترك من الركوب والعمل، ونعم وسمن للفحلة، فند فذهب على وجهه، فأقحم في مفازة، وأصاب