مرتعا فتوحش واستأسد، وتبين عليه أثر وحشيته، وأقبل إقبال الجن من قوة ونشاط وبأس شديد، فلما طال انفراده وتأبده عرضت له في البر ناقة كانت قد بدت من عطنها، وكانت فارهة جسيمة قد انتهت سمنا وغطاها الشحم واللحم، فراها البازل الصئول فهاج وصال وهدر، يخبط بيده ورجله، ويسمع لجوفه دوي من الغليان، وإذا هي قد ألقت نفسها بين يديه! أما والله لو جعل الشيطان في يمينه رجلا فحلا جميلا، وفي شماله امرأة جميلة تهواه، ثم تمطى متدافعا ومد ذراعيه فابتعدا، ثم تراجع متداخلا وضم ذراعيه فالتقيا، لكان هذا شأن ما بينك وبين القس!
قلت: لا والله يا أمير المؤمنين، ما كان صاحبي في الرجال خلا ولا خمرا، وما كان الفحل إلا الناقة. . .! وما أحسب الشيطان يعرف هذا الرجل، وهل كان للشيطان عمل مع رجل يقول. إني أعرف دائما فكرتي، وهي دائما فكرتي لا تتغير. ذاك رجل أساسه كما يقول (برهان ربه) ولقد تصنعت له يا أمير المؤمنين، وتشكلت وتحليت وتبرجت، وحدثت نفسي منه بكثير، وقلت أنه رجل قد غير شبابه في وجود فارغ من المرأة، ثم وجد المرأة في. وغنيته يا أمير المؤمنين غناء جوارحي كلها، وكنت له كأني حرير ناعم يترجرج وينشر أمامه ويطوى، وجلست كالنائمة في فراشها وقد خلا المجلس، وكنت من ذلك بين يديه كالفاكهة الناضجة الحلوة تقول لمن يراها: كلني. . .!)
قال يزيد: ويحك ويحك! وبعد هذا؟
قلت: بعد هذا يا أمير المؤمنين، وهو يهواني الهوى البرح، ويعشقني العشق المضني - لم ير في جمالي وفتنتي واستسلامي إلا أن الشيطان قد جاء يرشوه بالذهب. . . بالذهب الذي يتعامل به!
فضحك يزيد وقال: لا والله، لقد عرض الشيطان منك ذهبه ولؤلؤه وجواهره كلها، فكيف لعمري لم يفلح، وهو لو رشاني من هذا كله بدرهم لوجد أمير المؤمنين شاهد زور. . .!
قلت: ولكني لم أيأس يا أمير المؤمنين، وقد أردت أن أظهر امرأة فلم أفلح، وعملت أن أظهر شيطانة فإنخذلت، وجهدت أن يرى طبيعتي فلم يرني إلا بغير طبيعة، وكلما حاولت أن أنزل به عن سكينته ووقاره رأيت في عينيه ما لا يتغير كنور النجم، وكانت بعض نظراته لي والله كأنها عصا المؤدب، وكأنه يرى في جمالي حقيقة من العبادة، ويرى في