ولا قدرة له على توجيهها فهي مقاييس زائفة تافهة في نظرة لأنها لا تمثل الحقيقة المجردة ولا نستقيم مع النقد النزيه، ويماثل ذلك قوله تعالى في محكم كتابه (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالتقوى وأمثالها جانب إداري في حياة الإنسان. ولذلك صح أن تعتبر مقياساً التفاضل الأخروي.
وفي ضوء هذا النهج السليم قرب الزيات بين الحياتين ووحد بين الأدبين حين جعل من الرسالة منبراً عاماً يعتليه الأدباء لذواتهم وشخصياتهم لا لمناصبهم ومراتبهم، يعتلونه على اختلاف مشاربهم وأهوائهم وميولهم ونزعاتهم يعرضون ما لديهم من بضاعة الأدب والعلم والفن. ثم يطرحون ذلك كله أمام القراء الذين أقبلوا على الرسالة يتدافعون ويتزاحمون حين أدهشهم جلالها وأعجبهم اتساع صدرها وتمثيلها لجوانب الحياة الأدبية كلها. والقراء هم الحكومة النزيهة بين الرسالة وكتابها. فهم وحدهم الذين يستطيعون بإخلاص أن يسجلون ذلك في بريدهم الأدبي. وهم وحدهم يستطيعون أن يعلنوا ويثبتوا للأصلح (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وهكذا ظلت (الرسالة والرواية) عشرين عاما منذ حرجت إلى الناس تحمل عددها الأول وهي تؤدي في صدق وأمانة رسالة الحرية الكاملة في الأدب العربي المصري الحديث ولا تزال تؤدي هذه الرسالة إلى اليوم وستؤديها ما شاء الله لها أن تبقى. وهي في ذلك كله تعرض على الملأ الكتاب الأحرار المخلصين للحقائق المجردة، وترسم أمام الناس صورا صادقة لتطور المقالة الأدبية والشعر الحديث والقصة الحديثة. وهي إلى جانب هذا وذاك تعتبر سجلا لطيفا يصور التاريخ الأدبي المصري وما يعتريه من نماء وتطور أسبوعا فأسبوعا. ولولا عنصر الصدق الذي امتازت به في أداء رسالة الأدب لعصفت بها يد الزمان ولحطمتها معاطب الحدثان.
نعم إنها ظلت تناضل مع الزمن وتصورا لحياة الأدبية المصرية في غير تكلف ولا تعسف. كما استطاعت بفضل عناصر: الصدق والدقة والإحاطة أن تصبح مرآة عامة تنعكس عليها آداب مصر والعراق وآداب الأقطار الشقيقة، وأن تستجيب لذلك كله لما وجدت من القراء في الأقطار الشقيقة من يمد لها الطريق ويعينها على أداء رسالة العربية وآدابها. فالرسالة - في نظر المنهج العلمي الحديث - هي الأدب الحي المعاصر. . . والأدب الحي