للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لك البشرى يا عمرو فلقد ذهبت اليوم مع جمهرة من بني سلمة إلى بيت رسول الله، فقال لنا: (من هو سيدكم يا بني سلمة؟) فقال نفر منا: (هو الجد بن قيس على بخل فيه) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وأي داء ادوأ من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح)

فقال رجل من إخواننا المهاجرين: صدقت يا رسول الله، لقد رأيته يوم بدر، منقضا على الأعداء انقضاض الصقر على فريسته؛ وكان يقبل على الموت، إقبالا الإبل العطشى على الماء القراح، وكنت أرى فرسان قريش تفر من وجهه، وتتقي ضرباته الشداد، حتى أصابته ضربة بتار في رجله، فجعل يمشي على الأخرى، ويخوض الغمرات ببسالة وإقدام، ورأيت من صبره، يا رسول الله، ما ملأ نفسي إعجابا

رأى ابنه معاذا في إبان المعركة، وقد أصابته ضربة على عاتقه طرحت يده، فتعلقت بجلدة من جسمه حتى آذته، وأجهده القتال، فقال له بصوت فيه حنان الأب وشجاعة المؤمن: (يا معاذ ضع قدمك على يدك ثم تمطى حتى تطرحها، ودونك بعد هذا أعداء الله. .)

ولم يكد الرجل يتم حديثه، حتى رأيت البشر يملأ وجه الرسول، ويتلو قوله تعالى (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فهنيئا لك يا عمرو!!

وسمع عمرو حديث صاحبه عبد الله بقلب يفيض فرحا، ويرقص طربا ثم قال: حسبي من الحياة - يا عبد الله - أن يرضى الله ورسوله عني، بعد أن حفتني عناية السماء، وأظلني لواء محمد.

- ٤ -

كانت الشمس قد أرسلت تباشيرها، ونشرت خيوطها الذهبية على مشارف المدينة، وهضاب أحد، حين سمع (عمرو) جلبة وتكبيرا، وإذا مناد يقول: الصلاة جامعة! حي على الجهاد، فدعا زوجه (هندا) وأمرها أن تعد له سلاحه، وأن تصاحبه إلى المعركة، لتضميد الجرحى، وإثارة المشاعر ثم قال لها:

- أين أولادك يا هند؟!

- لقد أسرعوا إلى المسجد يا عمرو

- وهل لبسوا لأماتهم وتنكبوا سلاحهم؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>