للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد جهزتهم بيدي، ووصيتهم أن يكونوا صفا واحدا وألا يفارقوا رسول الله وقلت لهم:

اعلموا - يا أبنائي - أنه لا بد لهذه الدعوة من وقود، فكونوا أنتم وقودها، ولا بد لها من ضحايا، فكونوا انتم أول ضحاياها، واصبروا عند اللقاء، واشتدوا على الأعداء، واذكروا أن الجنة مثوى الشهداء الأبرار، وأستودعكم الله

- حييت (يا هند) من أم!! بمثل هذا الإيمان ننتصر، وبه تعلو راية القرآن وتنتشر، والآن ركضا معي إلى الجنة، إلى السعادة، إلى الله.

وفوجئ المسلمون في المسجد بدخول الشيح الجليل الأعرج (عمرو بن الجموح) متقلدا سيفه، متنكباً قوسه وهو يقول: سوف نهد لهم حتى ينقلبوا على أعقابهم صاغرين، أو يمرتوا بحد سيوفنا خاسرين.

وسمع أولاد عمرو صوت أبيهم، فأقبلوا نحوه، وحاولوا منعه من الخروج إلى ساحة المعركة، ولكنه راع المسلمين جميعا بإصراره على الجهاد، قال له أبناؤه: (قد عذرك الله ولا حرج عليك!!) فحزن حزنا شديدا، وآلى على نفسه أن يذهب، وأتى رسول الله وكان في جانب من المسجد، ووقف بين يديه وقال:

- يا رسول الله! إني بني يريدون أن يحبسوني من الخروج، فو الله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة.

فقال له رسول الله:

- أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك!. . .

فتطلع يعين كئيبة إلى السماء، وقد انحدرت الدموع على خديه حتى ابتلت لحيته ثم قال بصوت تخنقه الحسرات: يا رسول الله إني أرى يعيني هاتين، أن الشهادة مني قاب قوسين أو أدنى، وأن أمنيتي الكبرى أن ألقى ربي، تزملني الدماء، فلا تردني خائبا، روحي لك الفداء.

وحين رأى رسول الله إلحاف عمرو في الطلب، ورغبته الملحة في الجهاد، التفت إلى بنيه وقال لهم: (لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة. .) ولم يكد يسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم حتى استقبل القبلة، وقال على مسمع من الناس جميعا (اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني خائبا إلى أهلي) وامتلأت عيناه بالدموع، وساده صمت خاشع، ثم نظر إلى الرسول

<<  <  ج:
ص:  >  >>