للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال له: (يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟) فطمأنه رسول الله وابتسم وبان السرور في محياه، وإذا بعبد الله بن عمرو ومعه ابنه جابر يقبلان، فقال رجل من المسلمين لعمرو، هذا صاحبك عبد الله قد أقبل فطب نفسا، وتعانق الصديقان عناقا امتزج في فيه قلبان، وانسجمت روحان، وقال عبد الله لابنه جابر: (يا جابر إني أرجو أن أكون أول من يصاب، فأوصيك ببناتي خيرا).

ثم نظر إلى صديقه الحبيب عمرو وقال له بصوت يسيل رقه وعطفا، وكأنه يودعه الوداع الأخير:

- يا عمرو أتدري أين يكون اللقاء بعد الآن؟!

- أرجو أن يكون في دار البقاء في مقعد صدق عند مليك مقتدر

- ٥ -

- وثار النقع، وصهلت الخيل، ولمعت السيوف، وحمى الوطيس في أحد، ونشب القتال، والتحم الفريقان، وأقبلت على رسول الله قائد المسلمين الأكبر، كتيبة متراصة من المشركين، قد احمرت منهم الإحداق، وثارت في نفوسهم الأحقاد، فوقف (عبد الله بن عمرو) في وجه المشركين، يفرق صفهم، ويفل عزمهم، ويناضل عن الرسول، وينافح عن الإسلام، ويحطم الفرسان، وجندل الشجعان، حتى صدق ظنه وأكرمه الله فكان أول شهيد في المعركة

واستلأم الأعداء، وأخذوا من المسلمين بالثأر، وانتقموا شر انتقام، فمثلوا بعبد الله الشهيد الأول في أحد أشنع تمثيل، جدعوا أنفه، وقطعوا أذنه، ولم يتركوه حتى هشموا عظمه، وشوهوا جسمه، ولما سجى بين يدي رسول الله أقبل ابنه جابر، وكشف الثوب عن وجه أبيه، ثم أكب عليه يقبله ويبكي

وسمع المسلمون من بعيد صوت امرأة نادبة، فشقوا لها الصفوف فإذا هي (هند) تبكي أخاها، وتوأم روحها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (ابكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها)

وانصرفت هند وصورة أخيها ماثلة أمامها، وملائكة السماء تظله بأجنحتها، وبشرى رسول الله تطئن نفسها، ولكن الدموع الحزينة كانت تملأ مقلتيها، ثم وقفت واجمة فزعة، وغامت

<<  <  ج:
ص:  >  >>