إنها أول مرة في حياتي، كنت أرى فيها مدينة جميلة عليها سيما العمران كهذه. . فالسعادة والهناء تقرأهما في وجوه الأهليين أينما حللت، وحيثما ذهبت. وكان الذين يلقونها في الطرق يبتسمون في وجوهنا ويهشون لنا ويرتاحون.
وأخيرا انتهى بنا المطاف عندما وقفنا أمام باب دار كبيرة طرق الحارس الباب، فجاء شيخ طاعن في السن.
قال الحارس مشيراً إلي
- وطني جديد!
حياني الشيخ باحترام ودعاني إلى الدخول ثم قادني إلى غرفة فسيحة وقال:
هذا الموضع لكم بكل ما فيه وقبل أن أفيق من الذهول الذي انتابني؛ أضاف الشيخ إلى كلامه قائلا: سيحضر أستاذنا بعد قليل لمقابلتكم. خذوا قسطكم من الراحة الآن.
وإذ غادر الشيخ الغرفة جاءني رجل تبدو عليه إمارات الفتوة وأحضر لي طعاما وشاربا
وبعد لأي حضر الأساتذة أيضا. . وذهبوا إلى غرفة أخرى؛ وهناك سألوني من أنا؟ ومن أين أتيت؟ ولماذا قدمت هذا المكان. فأجبتهم هكذا:
(. . أرومتي أصيلة. . بلادي نجيبة، ودمي طاهر نقي. . كان موطني قديماً هضاب آسية الوسطى العالية. . ثم ثار الدم في عروق أجدادي وهاج. . فتغلغلوا في الشرق والغرب، والشمال والجنوب.، واجتاحوا الممالك، وشادوا الدول، وأنشئوا الحضارات. .
كان زعماؤنا قبلا يعيشون عيشة ساذجة، يشاركون الشعب في سرائه وضرائه؛ يحترمون العهود والمواثيق، يطيعون الحق ومجالس الشورى. . وكانت قادة الحكم، ورؤساء القبائل وملوك البلاد لا يخشون شيئا في سبيل الذود كرامة الحق، وقولة الصدق، والتنكيل بالطغاة، ومنع الاستبداد. .
وطوال استمرار الحال على هذا المنوال كانت بلادي قوية، ومهيبة، مرفوعة الكلمة بين الممالك. . إلى أن جاء يوم فسدت فيه دماؤنا، وشرعنا نقلد البلاد المستعبدة في تقاليدها ومواطن ذلها. . فتلاشت مجالس الشورى، واختل النظام، وانتصر الاستبداد، وصار شعبي السيد الآمر عبداً رقيقاً. . .
ومنذ ذلك الحين انطفأت نارنا الواهجه، واضمحل صيتنا الذائع، وتلاشى صوتنا المدوي. .