تمثيل الناس، ولا إخراج ما فيها إلا التخنث والخلاعة والسقوط والخزي ورقص البطن، والتهريج البارد، والتقليد السمج، حتى صار لقب المصري في فلم علامة على سقوطه وانحطاطه، وصار المهذب من الناس والشريف ومن يعرف لنفسه قدرها يتحامى هذه الأفلام ويحمي أولاده منها، وصار من المعروف أنه لا يرتاد دورها إلا العوام والسوقة والرعاع وسفلة الناس، ولا يخرج مع ذلك الكثير منهم إلا وقد ملأ نفسه التقزز والاشمئزاز و (القرف. . .).
إن هذه الأفلام دعاية على مصر لا لمصر، لو أنفق اليهود نصف أموالهم، ما استطاعوا أن يصلوا إلى بعضها، وهدم لكل ما تبنيه المدارس وما يقيمه المعلمون والمصلحون، ودرس في التخنث، وسقوط الهمة، والبعد عن عزة الإسلام وخلائق العرب، وفصاحة اللسان، والرجولة والإباء. وإن محاربتها أوجب عن محاربة الكوليرا واليهود، لأن الكوليرا تفتك بالأجساد، وهذه تفتك بالأعراض والأخلاق، واليهود وراء الحدود، وهذه منا وفينا.
أما الإذاعة فقد كان من الممكن أن تكون مدرسة ليس لها نظير وأن نجعل منها أداة للإصلاح لا يستعصي عليها فساد، ولكنا لم نتخذها مع الأسف إلا أداة للفساد. ولم نجد شيئاً نذيعه فيها إلا الأغاني، أغان دائماً وأبداً، كأننا أمة من الصراصير في الصيف لا تعرف إلا الغناء.
أغان ليس فيها نصاعة البيان، ولا روعة الأدب، ولا حلاوة الأنغام، ألفاظ عامية غثة باردة، لا وزن لها ولا رنين ولا قافية، كلها دعوة إلى الشهوة، وإثارة الغزيزة، وتصريح بطلب الفاحشة، ولو شئت ضربت الأمثال، ولكني أنزه قلمي عن أن يجري بألفاظها، أو أن يشرف بذكر اسمه أحداً من أصحابها.
لقد كانت الأغاني الأولى، أغاني حب وشوق، ونداء روح لروح، ومناجاة قلب لقلب. وهذه صرخة داعرة من أفواه فاجرة.
ولقد سكتنا من عجزنا وضعفنا عن إنكار منكرات الملاهي والحانات، وحمينا أنفسنا منهال وأهلينا، فما معنى أن تأتي الإذاعة فتنقلها إلى دورنا رغما عن آنافنا، وتسمعنا ما يكون في الأفلام الخبيثة من أغان، وأن تنقل إلينا حفلات آثمة بكل ما فيها. وإن نحن سددنا الراد عنها جاءنا الصوت من بيوت الجيران الذين يفتحونه على مصراعيه، فيزعج كل راد