يناير الماضي، وكان يستحث الأيام لقرب موسم الصيف، حتى يهجر مصر هجرته المحببة التي لا ينسى فيها مصر، والتي تكون دائما موعدا بينه وبين الإنتاج الأدبي. . وقد حدثني عميد الأدب، أنه يصرف هذا الوقت الذي يقذيه في أوربا عاكفا على القراءة والإملاء، وأنه ما أن يقصد إلى فرنسا، ويذهب إلى باريس، حتى يسرع فيستقر في إحدى الجبال التي يحب الحياة فيها، وهناك حيث لا (تليفون) ولا اتصالات ولا زوار تقطع حبل الأفكار ونطغى على الإلهام، وتفسد الوحي.
وقد كنت أعلم أنه يعد في موسمه هذا. . الجزء الثاني من كتاب (الفتنة الكبرى) التي كان للجزء الأول منه دوي أي دوي. . وكان الدكتور طه حسين قد أعد تقريرا مسهبا في خلال شهر مايو الماضي، أرسله إلى مؤتمر اليونسكو، وهو الموضوع الخاص الذي سيتحدث فيه، وقد ناقش فكرة المذاهب الأدبية المختلفة في (أدب الاعترافات)، وخلاصة رأى الدكتور في هذا الموضوع: أن الأديب إذا ما وضع يده على الورق ليكتب فإنما هو يحس أن من ورائه قارئا، ولا يمكن مطلقا أن يكتب شيئا ليدخره لنفسه، وعلى هذا الأساس وما دام هو يحس أن ما يكتبه سيذاع على الناس، فهو يتجمل، ويحاول أن يلبس الوقائع والاعتراف الثوب الذي يجعلها مقبولة لدى القراء، وهذا (القبول) يختلف باختلاف الكتاب، فمنهم من يحب أن يواجه الجماهير على طريقة جريئة مكشوفة أمثال جان جاك روسو، ومنهم من يحب أن يكون مقذعا كأندريه جيد. . وهكذا.
وقد أكد لي الدكتور طه وهو يروي لي وجهة نظره في هذا الموضوع أن أيا من الكتاب: روسو، جيد، أوسكار، وايلد، إنما كان ينظر إلى القارئ وهو يكتب فصول اعترافاته.
أدب القصور
ظهر في خلال هذه الفترة الأدب البغيض الذي كان قد اختفى منذ عهد طويل، ذلك هو أدب القصور.
كان الأدب قد تحرر من سلطان الأمراء والملوك والخلفاء، وجرى طليقا، على نحو من الوطنية والقوة والصراحة.
ولكن النفاق عاد فاستشرى، فأصبح اسم الملك السابق، جري في كل قصيدة وفي كل مناسبة، وبدون مناسبة على صورة لم ينلها عمر بن الخطاب، ولا خالد بن الوليد، ولا