النفس الألم والضيق، ودوت في أذنيه أصوات تفزعه من مكانه لأنه رأى فيها أصوات الذين من خلفه يقصون أثره ويسخرون منه؛ فاستبدل حذاءه القديم الممزق بالحذاء الذي سرقه، ألقى به في ناحية ثم انطلق
لقد ألقى بعض همه حين ألقى الحذاء المسروق، ولكنه مي زال في اضطرابه، وخياله ما يفتأ يصور له أشياء! فهذان العاملان اللذان قضى معهما ليلته، على أثره يطلبانه بعد أن وجدا الحذاء الملقى. . . سيلبيانه ثم يدفعان به إلى المحكمة، وهناك. . . وهناك. . .؛ وتراءى له جماعة يعذبونه ويعذبونه حتى يعترف. . .
ماذا تقول زوجته حيت يترامى الخبر؟ وتأججت الفكرة برأسه يؤوثها الإجهاد والبرد والجوع، فأنطرح تتنازعه الخواطر المظلمة كما تتناول الرياح الشديدة العاصفة سحابة في كبد السماء؛ ورجع إلى نفسه يلومها على أن طوحت به الأيام في هذه المتاهة، يضرب في الأرض، ويفقد الراحة والطمأنينة في وقت معاً؛ ثم هو لا يطلب إلا سراباً أو أملاً كالسراب، ومن يدري؟ لعله لا يستطيع أن يأتي بالحدة القاطعة يثبت بها أن أغسطينو هو عمه. . . وبرعم هذا فهو قد ألصق بنفسه عاراً لا يغسل
نكص الرجل على عقبيه ممتلخ العقل، مأخوذ اللب، يحدق في الحذاء الملقى في ذهول وبلاهة، أفيواريه التراب؟ أنه إن فعل فما غير من الحقيقة التي في رأسه! أن هذا الحذاء مسروق، وأنه هو السارق. . .
وتردد إيليا حيناً، ثم هوى إلى الحذاء يخفيه تحت طيات معطفه، وارتد إلى القرية لا يستطيع أن يهبطها إلا أن يسدل الليل أستاره، لقد غبر يوماً كاملاً لا يطعم شيئاً، فأحس بأعصابه تتراخى ومشى الهوينى يترنح كأنه عود ذاو تعصف به الريح الهوج، وولج الفندق ثانية وكأنه في حلم، وعلى شفتيه كلمة الاعتراف؛ غير أنه وحد المكان هادئاً كأن شيئاً ذا بال لم يكن، ومر فما تعلق به بصر، ولم تحم حوله شبهة؛ فتناول طعامه، ووضع الحذاء مكانه الأول، ثم ألقى بنفسه في لجة من النوم العميق الهادئ، فما استيقظ إلا عند ظهر اليوم التالي. وحين هم من مرقده اشترى رغيفاً بما بقي معه من مال ثم سار. .
وبد الجو في ناظري إيليا - مرة أخرى - جميلاً، والوادي كأنه يبسم في رقة وظرف، والنبات الأخضر تنبعث منه القوة والنشوة، وهو يندفع في سيره يفور نشاطاً وحيته على